ونسوق هنا نموذج من ذلك: جاء في الميزان، وتهذيب التهذيب في ترجمة "خالد بن يزيد بن أبى مالك الدمشقي "قال ابن أبى الحواري" (1) : سمعت يحيى بن معين يقول: بالشام كتاب ينبغي أن يدفن: "كتاب الديات" لخالد بن يزيد بن أبى مالك. لم يرض أن يكذب على أبيه حتى كذب على الصحابة. قال أحمد بن أبى الحواري. قد كنت سمعت هذا الكتاب من خالد بن يزيد، ثم أعطيته لابن عبدوس العطار، فقطعه وأعطى للناس فيه الحوائج" (2) .

ثالثًا: وأما مراعاة المحدثين للعقل عند الحكم على الرواة: فهذا يظهر كثيرًا في كتب التراجم، فالأئمة كثيرًا ما يجرحون الراوى بخبر واحد منكر جاء به فضلاً عن خبرين أو أكثر، ويقولون: للخبر الذي تمتنع صحته أو تبعد: "منكر" أو "باطل"، وتجد ذلك كثيرًا في تراجم الضعفاء، وكتب العلل والموضوعات والمتثبتون لا يوثقون الراوى حتى يستعرضوا حديثه، وينقدوه حديثًا حديثًا (3) .

رابعًا: وأما مراعاة المحدثين للعقل عند الحكم على متون الأحاديث فهذا واضح في جعلهم من دلائل الوضع في الحديث مخالفته لبدهيات العقل (4) ، إلا أن ذلك مقيدٌ بعدم إمكان التأويل والمقصود بالتأويل هنا: محاولة التوفيق بين ما ظاهره التعارض بين المنقصول والمعقلو وبشرط:"ألا يسرح العقل في مجال النظر والتأويل _ وهو يوفق _ إلا بقدر ما يسرحه النقل" (5) .

كما أن العقل مقيد بالمستنير بكتاب الله عزَّ وجلَّ، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. الثابتة.

وفي ذلك يقول الحكيم الترمذي: "وإنما تعرف، وتنكر العقول التى لها إلى الله سبيل يصل إلى الله ونور الله سراجه والعقل بصيرته، والحق خبئته والسكينة طابعه فرجع إلى خلقه والحق عنده أبلج يضئ في قلبه كضوء السراج يقينًا وعلمًا به كما قال ربيع بن خُيثم: " إن على الحق نورًا وضوءًا كضوء النهار نعرفه، وإن على الباطل ظلمة كظلمة الليل ننكرة".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015