الحراس أَخذه لَيْلًا وَهُوَ متنقب مَعَ امْرَأتَيْنِ فرفعه إِلَى الجسر فَرفع إِلَى دَار الْمَأْمُون من ليلته فَلَمَّا كَانَ غَدَاة الْأَحَد قعد فِي دَار أَمِير الْمُؤمنِينَ لينْظر إِلَيْهِ بَنو هَاشم، والقواد، والجند، وصيروا المقنعة الَّتِي كَانَ متقنعا بهَا فِي عُنُقه، والملحفة الَّتِى كَانَ ملتحفا بهَا فِي صَدره ليراه النَّاس ويعلموا كَيفَ أَخذه فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْخَمِيس حوله أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى دَار احْمَد بن أبي خَالِد فحبسه عِنْده فَلم يزل فِي حَبسه إِلَى أَن خرج الْمَأْمُون إِلَى الْحسن بن سهل فِي عسكره وَبني ببوران بنت الْحسن فَأخْرج إِبْرَاهِيم مَعَه إِلَى الْمَدِينَة الَّتِي كَانَ الْحسن بناها بِفَم الصُّلْح. فَقَالَ قوم: إِن الْحسن كلمة فِيهِ فَأَطْلقهُ ورضى عَنهُ، وخلى سَبيله، وصيره عِنْد أَحْمد بن أبي خَالِد وصير مَعَه ابْن يحيى بن معَاذ، وخَالِد بن يزِيد بن مزِيد يَحْفَظُونَهُ إِلَّا أَنه موسع عَلَيْهِ عِنْده أمه وَعِيَاله ويركب إِلَى دَار أَمِير الْمُؤمنِينَ وَهَؤُلَاء مَعَه يَحْفَظُونَهُ.
وحَدثني الْحَارِث المنجم: أَن الْمَأْمُون كَانَ صير لبوران ثَلَاثَة حوائج لما دخل بهَا فَكَانَ إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي أَحدهَا فَرضِي عَنهُ وَأطْلقهُ. وَحدثنَا الْحَارِث: أَن إِبْرَاهِيم لما دخل على الْمَأْمُون قَالَ لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: إِن رَأَيْت أَن تسمع عُذْري وَإِن كَانَ لَا عذر لي وَلَكِن الْإِقْرَار حجَّة لي فِي الْعَفو عني وَقد جردت الْإِقْرَار بالذنب فَقَالَ: قل. فَأَنْشد: -
(يَا خير من ذملت يَمَانِية بِهِ ... بعد الرَّسُول لآيس أَو طامع)
(وَأبر من عبد الْإِلَه على التقي ... عينا وأحكمه بِحَق صادع)
(عسل الفوارع مَا أَطَعْت فَإِن تهج ... فالصاب فِي جرع السمام الناقع)
(متيقظ حذر وَمَا يخْشَى العدا ... نَبهَان من وسنات ليل الهاجع)
(ملئت قُلُوب النَّاس مِنْهُ مَخَافَة ... ويبيت يكلؤهم بقلب خاشع)
(بِأبي وَأمي أفتدى وَبَينهمَا ... من كل معضلة وريب وَاقع)