نحتاج إِلَيْهِ فَكَانَ أَبُو إِسْحَاق بعد ذَلِك لَا يخل خزائنه من خَمْسَة آلَاف شمعة عدَّة.
قَالَ: الْقَاسِم بن سعيد فَقلت للفضل بلغنَا أَن ابْن عَائِشَة شتم الْمَأْمُون فِي وجهة تِلْكَ اللَّيْلَة وَأَن ذَلِك دَعَاهُ إِلَى قَتله؟ فَقَالَ: لَا. وَلَا كلمة وَاحِدَة الْبَتَّةَ.
قَالَ: وَلما ركب الْمَأْمُون إِلَى المطبق فِي اللَّيْلَة الَّتِي قتل فِيهَا إِبْرَاهِيم بن عَائِشَة، والإفريقي وَأَصْحَابه الْتفت فَإِذا هُوَ بِعَبْد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق فَقَالَ لَهُ: جَزَاك اللَّهِ خيرا فَأَنت وَالله للسار، والعار، وَالْخَيْر، وَالشَّر، والشدة، والرخاء لَا كالمنتفح الأعفاج الْكثير اللجاج لَا يمت بقديم حُرْمَة، وَلَا بِحَدِيث خدمَة أَكثر من كَانَ فِي الْفِتْنَة شاطرا وَفِي السَّلامَة مقامرا. قَالَ: وَإِذا عَيَّاش بن الْقَاسِم صَاحب الجسر قد طلع. فَقَالَ لَهُ: يَا ابْن اللخناء يحضر الْحَاكِم ضرب الْأَعْنَاق وَصَاحب الشرطة مَشْغُول بمجالسة الْفُسَّاق. قَالَ فارتج على عَيَّاش فَقَالَ الْمَأْمُون: هَذَا الَّذِي كُنَّا فِي ذكره آنِفا. قَالَ قلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: شيخ قد ثقل عَن الْحَرَكَة قَالَ: لَا تقل هَذَا. فوَاللَّه لقد تغدى الْيَوْم مَعَ ابْن الْعَلَاء وَشرب مَعَه وناكه فَأَعْرض عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق عَنهُ بِوَجْهِهِ وَقَالَ أَمِير الْمُؤمنِينَ أعلم برعاياه وَأَصْحَابه منا.
قَالَ: واستقبله الْجَعْفَرِي الملقب بكلب الْجنَّة وَمَعَهُ لِحَاف قد تترس بِهِ وعصا قد أَخذهَا من حطب الْبَقَّال فَقَالَ: مَا هَذَا؟ . فَقَالَ يَا سَيِّدي: لم يحضرني غير لِحَافِي فَجَعَلته مجنا، وعصا وَجدتهَا مَعَ حطب الْبَقَّال فأختلستها مِنْهُ فَقَالَ: لله أَبوك فقد جدت بِنَفْسِك، وأسرعت إِلَى إمامك وَأمر لَهُ بِعشْرين ألف دِرْهَم.
حَدثنِي يحيى بن الْحسن قَالَ: قَالَ ابْن مَسْعُود القَتَّات: لما قتل الْمَأْمُون ابْن عَائِشَة وَأَصْحَابه تمثل بِشعر مُسلم بن الْوَلِيد فَقَالَ:
(أَنا النَّار فِي أحجارها مستكنة ... فَإِن كنت مِمَّن يقْدَح النَّار فأقدح)