كتاب بغداد (صفحة 46)

نعمه؛ وشركه فِي ملكه وسلطانه، وَبسط لَهُ فِي الْقُدْرَة أَن ينافس فِي الْخَيْر مِمَّا يبْقى ذكره، وَيُحب أجره، ويرجى ثَوَابه وَإِن يَجْعَل همته فِي عدل ينشره، أَو جور يدفنه، وَسنة صَالِحَة يحيها، أَو بِدعَة يميتها، أَو مكرمَة يعتقدها، أَو صَنِيعَة يسديها أَو يَد يودعها ويوليها، أَو أثر مَحْمُود يتبعهُ.

قَالَ: كَانَ الْمَأْمُون قد هم بلعن مُعَاوِيَة، وَأَن يكْتب بذلك كتابا يقْرَأ يَوْم الدَّار، وجفل النَّاس ففتاه عَن ذَلِك يحيى بن أَكْثَم وَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: إِن الْعَامَّة لَا تحْتَمل هَذَا وسيما أهل خُرَاسَان وَلَا تأمن أَن تكون لَهُم نفرة، وَإِن كَانَت لم تدر مَا عَاقبَتهَا والرأي أَن تدع النَّاس على مَا هم عَلَيْهِ، وَلَا تظهر لَهُم إِنَّك تميل إِلَى فرقة من الْفرق فَإِن ذَلِك أصلح فِي السياسة وَأَحْرَى فِي التدبر. قَالَ: فركن الْمَأْمُون إِلَى قَوْله فَلَمَّا دخلت عَلَيْهِ قَالَ يَا ثُمَامَة: قد علمت مَا كُنَّا دبرناه فِي مُعَاوِيَة وَقد عَارَضنَا رأى هُوَ أصلح فِي تَدْبِير المملكة وَأبقى ذكرا فِي الْعَامَّة ثمَّ أخبرهُ أَن ابْن أَكْثَم خَوفه إِيَّاهَا، وَأخْبرهُ بنفورها عَن هَذَا الرأى. فَقَالَ ثُمَامَة: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ والعامة فِي هَذَا الْموضع الَّذِي وَضعهَا بِهِ يحيى. وَالله لَو وجهت أنسانا على عَاتِقه سَواد وَمَعَهُ عَصا لساق إِلَيْك بعصاه عشْرين ألفا مِنْهَا، وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: مَا رَضِي اللَّهِ جلّ ثناءه أَن سواهَا بالأنعام حَتَّى جعلهَا أضلّ مِنْهَا سَبِيلا فَقَالَ تبَارك وَتَعَالَى: {أم تحسب أَن أَكْثَرهم يسمعُونَ أَو يعْقلُونَ إِن هم إِلَّا كالأنعام بل هم أضلّ سَبِيلا} وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: لقد مَرَرْت مذ أَيَّام فِي شَارِع الْخلد وَأَنا أُرِيد الدَّار فَإِذا إِنْسَان قد بسط كساءه وَألقى عَلَيْهِ أدوية وَهُوَ قَائِم يُنَادي عَلَيْهَا هَذَا الدَّوَاء لبياض الْعين، والغشاء والغشاوة، والظلمة، وَضعف الْبَصَر وَإِن إِحْدَى عَيْنَيْهِ لمطموسة وَفِي الْأُخْرَى مؤسى لَهُ وَالنَّاس قد انثالوا عَلَيْهِ وأجفلوا إِلَيْهِ يستوصفونه فَنزلت عَن دَابَّتي نَاحيَة وَدخلت فِي غمار تِلْكَ الْجَمَاعَة فَقلت: يَا هَذَا: أرى عَيْنك أحْوج هَذِه الْأَعْين إِلَى العلاج، وَأَنت تصف هَذَا الدَّوَاء وتخبر أَنه شِفَاء لوجع الْعين فَلم لَا تستعمله؟ : فَقَالَ: أَنا فِي هَذَا الْموضع مُنْذُ عشر سِنِين مَا مر بِي شيخ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015