قنعته فصاح وأعمراه ذهب الْعدْل مذ ذهبت. فَقَالَ للرجل مَا تَقول فِيمَا قَالَ خصمك؟ فَقَالَ: كذب على، وَقَالَ الْبَاطِل. فَقَالَ خَصمه: لي جمَاعَة يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ تشهد على مقَالَته، وَإِن أذن لي أَمِير الْمُؤمنِينَ أحضرتهم. قَالَ: فَقَالَ الْمَأْمُون للرجل: مِمَّن أَنْت؟ . فَقَالَ: من أهل فاميه فَقَالَ: أما أَن عمر بن الْخطاب رَحمَه اللَّهِ كَانَ يَقُول: من كَانَ جَاره نبطيا وَاحْتَاجَ إِلَى ثمنه فليبعه فَإِن كنت إِنَّمَا طلبت سيرة عمر فَهَذَا حكمه فِي أهل فامية ثمَّ أَمر لَهُ بِأَلف دِرْهَم وَأطْلقهُ. فَقَالَ لي الَّذِي حَدثنِي بِهَذَا الحَدِيث فَحدثت هَذَا الحَدِيث بعض مَشَايِخنَا فَقَالَ أما الَّذِي عندنَا: فخلاف هَذَا: إِنَّمَا مر بعض الزهاد فِي زورق فَلَمَّا نظر إِلَى بِنَاء الْمَأْمُون وأبوابه صَاح، واعمراه. فَسَمعهُ الْمَأْمُون فَأمر بأحضاره ثمَّ دَعَا بِهِ فَلَمَّا صَار بَين يَدَيْهِ قَالَ: مَا أحرجك إِلَى أَن قلت مَا قلت؟ : قَالَ رَأَيْت آثَار الأكاسرة وَبِنَاء الْجَبَابِرَة. فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُون: أَفَرَأَيْت أَن تحولت من هَذِه الْمَدِينَة فَنزلت إيوَان كسْرَى بِالْمَدَائِنِ كَانَ لَك أَن تعيب نزولي هُنَاكَ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَأَرَاك إِنَّمَا عبت إسرافي فِي النَّفَقَة؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فَلَو وهبت قيمَة هَذَا الْبناء أَكنت تعيب ذَاك. قَالَ: لَا قَالَ: فَلَو بني ذَلِك الرجل بِمَا كنت أهب لَهُ بِنَاء أَكنت تصيح بِهِ كَمَا صحت بِي؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَأَرَاك أَنما قصدتني لخاص نَفسِي لَا لعِلَّة هِيَ غَيْرِي. قَالَ: وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم حَاضر قَالَ: فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: مثل هَذَا لَا يقومه القَوْل دون السَّوْط، أَو السَّيْف؟ . قَالَ: هما أرش جِنَايَته ثمَّ قَالَ لَهُ: يَا هَذَا إِن هَذَا أول مَا بنيناه وَآخره، وَإِنَّمَا بلغت النَّفَقَة عَلَيْهِ ثَلَاثَة الآلف ألف وَهُوَ ضرب من مكايدتنا الْأَعْدَاء من مُلُوك الْأُمَم كَمَا تَرَانَا نتَّخذ السِّلَاح والادراع، والجيوش، والجموع، وَمَا بِنَا إِلَى أَكْثَرهَا حَاجَة السَّاعَة. وَأما ذكرك سيرة عمر رَحمَه اللَّهِ فَإِنَّهُ كَانَ يسوس أَقْوَامًا كراما قد شهدُوا نَبِيّهم صلى اللَّهِ عَلَيْهِ وَنحن إِنَّمَا نسوس أهل بز وفر، وفامية، ودستميسان وَمن أشبه هَؤُلَاءِ الَّذين إِن جَاءُوا أكاوك، وَإِن شَبِعُوا قهروك، وَإِن ولوا عَلَيْك استعبدوك، وَكَانَ عمر يسوس قوما قد تأدبوا بأخلاق نَبِيّهم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الطاهرة، وصانوا أحسابهم