الْعَبَّاس بن أَحْمد بن أبان أَبُو الْقَاسِم الْكَاتِب. قَالَ: أَخْبرنِي الْحُسَيْن بن الضَّحَّاك. قَالَ: قَالَ عُلْوِيَّهُ أخْبرك أَنه مر بِي مرّة مَا أَيِست من نَفسِي مَعَه لَوْلَا كرم الْمَأْمُون وَإنَّهُ دَعَا بِنَا فَلَمَّا أَخذ فِيهِ النَّبِيذ قَالَ: غنونى. فَسَبَقَنِي مُخَارق فأندفع فتغنى صَوتا لِابْنِ سُرَيج فِي شعر جرير: -
(لما تذكرت بالديرين أرقني ... صَوت الدَّجَاج وَضرب بالنواقيس)
(فَقلت للركب قد جد الْمسير بِنَا ... يَا بعد يبرين من بَاب الفراديس)
قَالَ: فحين لي أَن تَغَنَّيْت. وَقد كَانَ هم بِالْخرُوجِ إِلَى دمشق يُرِيد الثغر: -
(الْحِين سَاق إِلَى دمشق وَمَا ... كَانَت دمشق لأهلنا بَلَدا)
قَالَ: فَضرب بالقدح الأَرْض وَقَالَ: مَالك. عَلَيْك لعنة اللَّهِ. ثمَّ قَالَ: يَا غُلَام عط مخارقا ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم. وَأخذ بيَدي فَقُمْت وَعَيناهُ تدمعان وَهُوَ يَقُول للمعتصم. هُوَ وَالله آخر خُرُوج وَلَا أحسبني أرى الْعرَاق ابدا. قَالَ: فَكَانَ وَالله آخر الْفِرَاق عِنْد خُرُوجه كَمَا قَالَ.
قَالَ الْحُسَيْن وَأَخْبرنِي مُخَارق أَنه دخل على الْمَأْمُون يَوْمًا وَبَين يَدَيْهِ طبق عَلَيْهِ رغيفان ودجاجة. قَالَ فَقَالَ لي: تعال يَا مُخَارق. قَالَ: فصيرت بركَة قبائي فِي منطقتي وغسلت يَدي وَجئْت فَجعلت أقطع بَين يَدَيْهِ من الدَّجَاجَة وآكل حَتَّى آتَيْنَا جَمِيعًا على الدَّجَاجَة والرغيفين وَقمت من بَين يَدَيْهِ. فَلَمَّا جلسنا للنبيذ قَالَ لي يَا مُخَارق غنني صَوتا كَذَا فغنيته فعبس فِي وَجهه وَقَالَ لعلوية غنني يَا علوِيَّة هَذَا الصَّوْت فغناه دون غنائي فَضَحِك إِلَيْهِ وَتَبَسم ودعا لَهُ بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم فَوضعت بَين يَدَيْهِ ثمَّ سَأَلَني أَن أغنيه صَوتا آخر فغنيته وأجتهدت فَفعل مثل فعله الأول، وَأمر علوِيَّة فغناه فَفعل كَذَلِك ودعا لَهُ بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم ثمَّ قَالَ غنني فغنيته فَفعل كَفِعْلِهِ الأول ثمَّ قَالَ لعلوية غنه فغناه فَدَعَا لَهُ بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم ثمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاة: فَقَالَ لي علوِيَّة وأصحابنا