(حرمت مناى مِنْك إِن كَانَ ذَا الَّذِي ... أَتَاك بِهِ الواشون عَنى كَمَا قَالُوا)
قَالَ: كُنَّا مَعَ الْمَأْمُون بِدِمَشْق فَركب يُرِيد جبل الثَّلج فَمر ببركة عَظِيمَة من برك بني أُميَّة وعَلى جَانبهَا أَربع سروات وَكَانَ المَاء يدخلهَا سيحا وَيخرج مِنْهَا فَاسْتحْسن الْمَأْمُون الْموضع فَدَعَا ببز مَاء ورد ورطل وَذكر بني أُميَّة فَوضع مِنْهُم وتنقصهم فَأقبل علوِيَّة على الْعود واندفع فغنى: -
(أُولَئِكَ قومِي بعد عز وثروة ... تفانوا فألا أذرف الدمع أكمدا)
فَضرب الْمَأْمُون الطَّعَام بِرجلِهِ ووثب وَقَالَ لعلوية: يَا ابْن الفاعلة لم يكن لَك وَقت تذكر فِيهِ مواليك إِلَّا فِي هَذَا الْوَقْت. فَقَالَ: مولاكم زرياب عِنْد موالى يركب فِي مائَة غُلَام وَأَنا عنْدكُمْ أَمُوت من الْجُوع. فَغَضب عَلَيْهِ عشْرين يَوْمًا ثمَّ رضى عَنهُ. قَالَ: زرياب مولى الْمهْدي صَار إِلَى الشَّام ثمَّ صَار إِلَى الْمغرب إِلَى بني أُميَّة هُنَاكَ.
قَالَ أَحْمد بن أبي طَاهِر: وَكتب ملك الرّوم إِلَى الْمَأْمُون. أما بعد " فَإِن اجْتِمَاع الْمُخْتَلِفين على حظهما أولى بهما فِي الرَّأْي مِمَّا عَاد بِالضَّرَرِ عَلَيْهِمَا، وَلست حريا أَن تدع لحظ يصل إِلَى غَيْرك حظا تحوز بِهِ لنَفسك وَفِي علمك كَاف عَن إخبارك، وَقد كنت كتبت إِلَيْك دَاعيا إِلَى المسالمة، رَاغِبًا فِي فَضِيلَة المهادنة لتَضَع أوازر الْحَرْب عَنَّا وَيكون كل لكل وليا وحزبا، مَعَ اتِّصَال الْمرَافِق، والفسح فِي المتاجر، وَفك المستاسر، وَأمن الطّرق والبيضة فَإِن أَبيت فَلَا أدب لَك فِي الْخمر وَلَا أزخرف لَك فِي القَوْل، فَأَنِّي لخائض إِلَيْك غمارها، آخذ عَلَيْك أسدادها شَأْن خيلها ورجالها وَإِن أفعل فَبعد أَن قدمت المعذرة، وأقمت بيني وَبَيْنك علم الْحجَّة وَالسَّلَام. ".
قَالَ: فَكتب إِلَيْهِ الْمَأْمُون. أما بعد: " فقد بَلغنِي كتابك فِيمَا سَأَلت من الْهُدْنَة ودعوت إِلَيْهِ من الْمُوَادَعَة، وخلطت فِيهِ من حَال اللين بالشدة مِمَّا استعطفت بِهِ من سرح التَّاجِر، واتصال الْمرَافِق، وَفك الأساري، وَرفع القيل والقال، فلولا مَا رَجعْنَا إِلَيْهِ من إِعْمَال التؤدة، وَالْأَخْذ بالحظ من تقليب الفكرة، وَألا أعتقد