لهَذَا بِخَمْسِينَ ألف دِرْهَم من السِّتَّة الآلآف الْألف لَا يختلس ناظري. قَالَ: فَلم يَأْتِ على ليلتان حَتَّى أخذت المَال.
قَالَ مُحَمَّد بن أَيُّوب بن جَعْفَر بن سُلَيْمَان: كَانَ بِالْبَصْرَةِ رجل من بني تَمِيم، وَكَانَ شَاعِرًا ظريفا، خبيثا، مُنْكرا، وَكنت أَنا وَإِلَى الْبَصْرَة آنس بِهِ واستحلية فَأَرَدْت إِن أخدعه فَقلت: يَا أَبَا نزلة أَنْت شَاعِر وَأَنت ظريف والمأمون أَجود من السَّحَاب الحافل، وَالرِّيح العاصف فَمَا يمنعك مِنْهُ؟ قَالَ: مَا عِنْدِي مَا يقلني. قلت: فَأَنا أُعْطِيك نجيبا فارها وَنَفَقَة سابغة وَتخرج إِلَيْهِ وَقد امتدحته فَإنَّك أَن حظيت بلقائه صرت إِلَى أمنيتك. قَالَ: وَالله أَيهَا الْأَمِير: مَا أخالك أبعدت فأعدلي مَا ذكرت. قَالَ: فدعوت لَهُ بنجيب فاره فَقلت شَأْنك بِهِ فامتطه. قَالَ: هَذَا أحد الحسنيين. فَمَا بَال الْأُخْرَى. فدعوت لَهُ بثلاثمائة دِرْهَم وَقلت هَذِه نَفَقَتك. قَالَ: أحسبك أَيهَا الْأَمِير قصرت فِي النَّفَقَة؟ . قلت لَا هِيَ كَافِيَة وَإِن قصرت عَن السَّرف. قَالَ: وَمَتى رَأَيْت فِي أكَابِر سعد سَرفًا حَتَّى ترَاهُ فِي أصاغرها. فَأخذ النجيب وَالنَّفقَة ثمَّ عمل أرجوزة لَيست بالطويلة فأنشدنيها وَحذف مِنْهَا ذكرى وَالثنَاء على وَكَانَ ماردا فَقلت لَهُ: مَا صنعت شَيْئا. قَالَ: وَكَيف. قلت تَأتي الْخَلِيفَة وَلَا تثنى على أميرك وَلَا تذكره؟ قَالَ: أَيهَا الْأَمِير أردْت أَن تخدعني فوجدتني خداعا، وبمثلنا ضرب هَذَا الْمثل " من ينك العير ينك نياكا " أما وَالله مَا لكرامتي حَملتنِي على نجيبك؛ وَلَا جدت لي بِمَالك الَّذِي مَا رامه أحد قطّ إِلَّا جعل اللَّهِ خَدّه الْأَسْفَل. وَلَكِن لَا ذكرك فِي شعري وأمدحك عِنْد الْخَلِيفَة قَالَ هَذَا. قلت: أما فِي هَذَا فقد صدقت فَقَالَ: أما إِذا أبديت مَا فِي ضميرك فقد ذكرتك وأثنيت عَلَيْك. فَقلت: أَنْشدني مَا قلت فأنشدني. فَقلت أَحْسَنت. قَالَ: ثمَّ وَدعنِي وَخرج. قَالَ: فَأتى الشَّام وَإِذا الْمَأْمُون بسلغوس. قَالَ فَأَخْبرنِي قَالَ: بَينا أَنا فِي غزَاة قُرَّة قد ركبت نجيبي ذَلِك، ولبست مقطعاتي وَأَنا أروم الْعَسْكَر فَإِذا أَنا بكهل على بغل فأره مَا يقر قراره، وَلَا يدْرك خطاه. قَالَ: فتلقاني مكافحة ومواجهة وَأَنا أردد نشيد أرجوزتي فَقَالَ: