21 - ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلانَ، عَنْ أَبِي الزَّنَادِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمَّا قَطَعَ الَّذِينَ سَرَقُوا لِقَاحَهُ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ بِالنَّارِ، عَاتَبَهُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا} [المائدة: 33] ، الآيَةَ كُلَّهَا
ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ قَتَلَ أَوْ زَنَا أَوْ سَرَقَ فَهَرَبَ إِلَى أَرْضِ الْكُفْرِ وَأُعْطِيَ أَمَانًا قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ، هَلْ يُؤْخَذُ بِشَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْحُدُودِ أَمْ يُنْجِيهِ الأَمَانُ وَالْعَهْدُ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: بَلَغَنَا عَنْ عُلَمَائِنَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: مَنْ حَارَبَ الدِّينَ فَقَتَلَ قَتِيلا، أَوْ قَتَلَ رَجُلٌ عَلَى مَالِهِ غِيلَةً فَالسُّلْطَانُ يَقْتُلُ بِهِ، وَلَيْسَ إِلَى وَلِيِّ الْقَتِيلِ مِنْ حَيَاتِهِ شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ أَبَاهُ أَوْ أَخَاهُ، قَالَ يُونُسُ: وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ: إِذَا أُخِذَ قَبْلَ أَنْ يَكْفُرَ أَوْ كَفَرَ، ثُمَّ رَجَعَ فَأَسْلَمَ ثُمَّ أُخِذَ، قَالَ: تُقَامُ عَلَيْهِ الْحُدُودُ، حَدَّ الزَّانِي إِنْ كَانَ زِنًا، وَيُقْتَلُ إِنْ كَانَ قَتَلَ، قَالَ يُونُسُ: وَقَالَ رَبِيعَةُ: تُقَامُ عَلَيْهِ الْحُدُودُ، وَذَلِكَ لأَنَّهَا لَوْ عَفِيَتْ لِمَنْ أَصَابَهَا، ثُمَّ فَرَّ إِلَى أَرْضِ الْكُفْرِ فَكَفَرَ أَوْ أَقَامَ عَلَى إِسْلامِهِ، فَحَمَلَ أَصْحَابُ الْحُدُودِ التَّنَجِّي مِنْهَا أَنْ يَخْرُجُوا إِلَى أَرْضِ الْكُفْرِ فِرَارًا مِنَ الإِسْلامِ وَخُرُوجًا مِنَ الإِسْلامِ إِلَى الْكُفْرِ، فَمَنْ أَصَابَ حَدًّا بَيْنَ ظَهْرَانِيِّ الْمُسْلِمِينَ فَلا يُنَجِّيهِ مِنْهُ شَيْءٌ عَمِلَهُ وَلا بَلَدٌ بَلَغَهُ وَلا حَرْثٌ دَخَلَ فِيهِ
وَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيُّ، وَأَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، وَابْنُ أَبِي الزِّنَادِ أَنَّ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ أَخْبَرَهُمْ، أَنَّهُ سَأَلَ أَبَاهُ عَنِ الرَّجُلِ يَتَلَصَّصُ فَيُصِيبُ الْحُدُودَ، ثُمَّ يَأْتِي تَائِبًا، أَيُقَامُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا أَصَابَ أَمْ لا، فَقَالَ: لَوْ قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُمُ اجْتَرَءُوا عَلَيْهِ وَفَعَلَهُ نَاسٌ كَثِيرٌ، وَلَكِنْ لَوْ فَرَّ رَجُلٌ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ، ثُمَّ مَكَثَ فِيهِمْ، ثُمَّ جَاءَ تَائِبًا لَمْ أَرَ عَلَيْهِ عُقُوبَةً
ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33] إِلَى آخِرِ الآيَتَيْنِ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي الْمُشْرِكِينَ، فَمَنْ تَابَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَتْ تُحْرِزُ هَذِهِ الآيَةُ الْمُؤْمِنَ مِنْ حَدٍّ أَوْ قَتْلٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ أَوْ كُفْرٍ، ثُمَّ رَجَعَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ لَيْسَ يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ تُقَامَ عَلَيْهِ الْحُدُودُ وَالْقِصَاصُ
قَالَ يُونُسُ: وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ: اللُّصُوصُ الَّذِينَ يَقْطَعُونَ الطَّرِيقَ وَلا يَخْشَوْنَ السُّلْطَانَ، وَهُمْ يَقْتُلُونَ وَيَسْلُبُونَ مَنِ اسْتَطَاعُوا ذَلِكَ مِنْهُ، فَكُلُّ أُولَئِكَ يُنْزِلُهُ الْمُسْلِمُونَ بِمَنْزِلَةِ الْمُحَارِبِ، لا يُجِيبُ دَعْوَتَهُمْ، وَالْقَطْعُ فِيهِمْ، وَيُخِيفُ سَبِيلَهُمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَا فَعَلَ الْوَالِي فِيهِمْ، فَهُوَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَوَابٌ مَنْ صُلِبَ مِنْهُمْ أَوْ قُتِلَ أَوْ قُطِّعَ أَوْ نُفِيَ، قَالَ أَبُو الزِّنَادِ: وَقَدْ كَانَ مَنْفَى النَّاسِ مَنْ يُنْفَوْا فِي ذَلِكَ إِلَى بَاضِعَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَدَهْلَكَ، وَتِلْكَ النَّاحِيَةِ مِنْ أَقْصَى تِهَامَةِ الْيَمَنِ
قَالَ يُونُسُ: وَقَالَ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَمَّا الْمُحَارِبُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ يَقْطَعُ أَوْ يُعَاوِنُ عَلَى عَوْرَةٍ مِنْ عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ دِينٍ بَيْنَ ظَهْرَانِيِّهِمْ أَوْ بَعْضِ مَا يَكُونُ فِيهِ نَقْضُ ذِمَّتِهِ، فَرَضَ اللَّهُ فِيهِ مَا فَرَضَ عَلَى قَدْرِ ذُنُوبِهِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنُوا مِنْ عَمَلِ مَنْ عَمِلَ بِهِ إِذَا وَقَعَتْ فِيهِ تُهْمَتُهُ، وَكَانَ سِنُّهُ مَا فَرَضَ اللَّهُ فِيهِ مِنَ الْعُقُولِ فَكَانَ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ تُهْمَتُهُ مِنْهُ يُسْنَدُ إِلَيْهِ بِالسُّوءِ، وَيُنْفَى إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ، وَلا يَعْجَلُ عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ، لأَنَّهُ لَمْ يَسْتَيْقِنْ عَمَلَهُ وَلَمْ يَبْدُ أَمْرٌ عَلَى التُّهْمَةِ إِذَا بَدَتْ ظِنَّتُهُ، قَالَ اللَّهُ: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] .
فَمَنْ أَظْهَرَ ذَنْبَهُ وَتَابَ إِلَى اللَّهِ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ وَصَارَ عَلَى عَهْدِهِ، وَمَنْ اطَّلَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ كَانَ فِيهِ مَا فَرَضَ اللَّهُ مِنْ نَكَالِهِ وَكَمَا أَخْرَجَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ بَنِي الْحَقِيقِ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ إِلَى خَيْبَرَ اتَّهَمَهُمْ، وَكَمَا أَخْرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَهْلَ فَدَكٍ وَأَهْلَ حُنَيْنٍ إِلَى أَرِيحَا، وَأَهْلَ دِينِهِمْ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَإِنَّمَا كَانَ إِخْرَاجُهُمْ حِينَ نُفُوا لَمَّا وَصَلَ إِلَى الْعَرَبِ مِنَ الأَرَضِينَ لِدُنُوِّهِمْ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، لأَنَّهُ لا يُصْلِحُهُمْ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ، فَلَيْسَ الْيَوْمَ يَنْفِي أَحَدٌ إِلَى عَدُوٍّ لا يَبْلُغُهُ مَشَالِحُ الْمُسْلِمِينَ وَلا مَسَاكِنُهُمْ إِلَى مَا جَاوَزَتِ الدُّرُوبُ وَالْبِحَارُ، وَلَكِنْ يُقَامُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ النَّكَالُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَالسِّجْنُ فِي عَمَلٍ يُؤَدِّي مِنْهُ الْجِزْيَةَ فِيمَا اتّهَمُوا عَلَيْهِ
قَالَ يُونُسُ: وَقَالَ رَبِيعَةُ: أَمَّا اللِّصُّ الْعَادِي مِمَّنْ يَدَّعِي بِالإِسْلامِ فَلَوْ أَنَّهُ تَابَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ حَقٌّ لأُقِيمَ عَلَيْهِ أَوْ تِبَاعَةٌ فِي جَسَدِهِ لأُتْبِعَتْ، أَوْ مَالٌ لِمُسْلِمٍ لأُخِذَ لَهُ مِنْهُ وَأُدَّيَ عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْهُ، وَلا تُنَجِّيهِ التَّوْبَةُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ وُضِعَتْ عَنْهُ تِلْكَ الْحُقُوقُ بِتَوْبَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ لَمْ يَزَلْ لِصًّا يَأْخُذُ أَمْوَالَ النَّاسِ الْمُسْلِمِينَ وَيَبْلُغُ أَنْفُسَهُمْ فَيَجْتَرِئُ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ فِيهِمْ، ثُمَّ يُنَادِي بِالتَّوْبَةِ فَيُوضَعُ عَنْهُ بِذَلِكَ الْحُقُوقُ وَنُكِّلَ
قَالَ يُونُسُ: وَقَالَ رَبِيعَةُ: فَإِذَا كَانَ اللِّصُّ عَادِيا لَمْ يُصِبْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَتَابَ قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ، كَانَ قَمِنًا مِنْ أَنْ لا يُعَاقَبَ عَلَى مَا مَضَى، لأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ حَقٌّ يُتَّبَعُ بِهِ إِلا رَأْيَ الإِمَامِ، وَإِنَّمَا يُعَاقَبُ الإِمَامُ لِيَرْجِعَ النَّاسُ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَإِنْ أَخَذَهُ الإِمَامُ مِنْ قَبْلِ تَوْبَتِهِ وَيُرَوِّعُهُ، رَأَى فِيهِ مِنْ عُقُوبَتِهِ عَلَى قَدْرِ مَا بَلَغَ مِنَ الذَّنْبِ، وَلا يُنْفَ مُسْلِمٌ مِنْ بَلَدٍ وَلا يَخْرُجْ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ، فَيَخْرُجْ مِنَ الإِسْلامِ إِلَى الْكُفْرِ، وَحَرَى أَنْ يَكُونَ مِنْ أُولَئِكَ مَنْ يُوَافِقُهُ بَعْضُ ذَلِكَ , إِلا أَنْ يُسْجَنَ الرَّجُلُ بِأَرْضِ الْغُرْبَةِ لِتَضِيقَ عَلَيْهِ وَلِيَبْعِدَهُ مِنْ رَحْمَةِ الْقَرَابَةِ
ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ يَحْيَى ابْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُحَارِبِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ: إِنْ كَانَ فَرَّ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ أَوْ تَرَكَ دِينَ الإِسْلامِ وَصَارَ عَلَى دِينِ مَنْ فَرَّ إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ إِذَا أُخِذَ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ فِي أَرْضِ الإِسْلامِ فَقَطَعَ الطَّرِيقَ وَأَخَافَهُمْ، فَإِنَّهُ إِنْ أَصَابَ دَمًا قُتِلَ، وَإِنْ لَمْ يُصِبْ دَمًا قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلافٍ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ وَلَمْ يُصِبْ دَمًا وَلا مَالا، فَإِنَّ النَّفْيَ فِيهِ، فِيمَا بَلَغَنَا، أَنْ يَخْرُجَ مِنْ أَرْضِهِ إِلَى أَرْضِ غَيْرِهَا
ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، أَنَّ يَزِيدَ الْمَلَطِيَّ كَانَ فِي أَصْحَابٍ لَهُ، فَقَطَعُوا السَّبِيلَ وَانْتَهَبُوا الأَمْوَالَ وَلَمْ يَقْتُلُوا، فَأَمَرَ بِهِمْ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْجُهَنِيُّ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ فَقَطَعَ مِنْ كُلِّ إِنْسَانٍ فِيهِمْ يَدًا أَوْ رِجْلا، قَالَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ: رَأَيْتُ بَعْضُهُمْ.
قَالَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ: إِنَّ الَّذِي يُفْسِدُ فِي الأَرْضِ، إِنْ قُتِلَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ
ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءِ ابْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَعَبْدِ الْكَرِيمِ قَالا: إِنْ أَقَرُّوا بِالإِسْلامِ، ثُمَّ حَارَبُوا فَلَمْ يَقْرَبُوا دَمًا وَلا مَالا حَتَّى أُخِذُوا فَفِيهِمْ حَكَمَ اللَّهُ إِلا أَنْ يُعْفَوْا، أَيُّ ذَلِكَ شَاءَ الإِمَامُ إِنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ صَلَبَهُمْ أَوْ قَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلافٍ، وَإِنْ شَاءَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فَعَلَهُ وَيَتْرُكُ مَا بَقِيَ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ عَطَاءٌ وَعَبْدُ الْكَرِيمِ: وَإِنْ أَقَرُّوا بِالإِسْلامِ، ثُمَّ حَارَبُوا وَلَمْ يَقْرَبُوا دَمًا وَلا مَالا حَتَّى تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِمْ، وَلا سَبِيلَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ أَصَابُوا دَمًا أَوْ مَالا، ثُمَّ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِمْ، اقْتُصَّ مِنْهُمْ مَا أَصَابُوا قَطُّ، ثُمَّ أُعْفَوْا
ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: أَيُّمَا شَاءَ الإِمَامُ فَعَلَ فِي الْمُحَارِبِ إِذَا أُخِذَ 33 - ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فِي الْمُحَارِبِ الَّذِي يَقْطَعُ السَّبِيلَ وَيَنْفِرُ بِالنَّاسِ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَيَعْظُمُ فَسَادُهُ فِي الأَرْضِ إِنَّهُ إِذَا ظَهَرَ عَلَيْهِ قَتْلٌ، وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا، وَقَدْ كَانَ أَعْظَمَ الْفَسَادَ وَأَخَافَ السَّبِيلَ وَذَهَبَ بِأَمْوَالِ النَّاسِ.
قَالَ: فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ تَائِبًا، فَإِنَّ السُّلْطَانَ يَرَى فِيهِ رَأْيَهُ فِي الْقَتْلِ أَوِ الصَّلْبِ أَوِ الْقَطْعِ أَوِ النَّفْيِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَيَسْتَشِيرُ فِي ذَلِكَ.
وَقَالَ مَالِكٌ فِي اللُّصُوصِ يَقْتُلُونَ الْقَتِيلَ أَوِ الْقَتْلَى مِنَ النَّاسِ، ثُمَّ يُؤْخَذُونَ، فَلا يَدْرِي مَنِ الَّذِي كَانَ يَقْتُلُ مِنْهُمْ، إِنَّ الإِمَامَ مُخَيَّرٌ فِيهِمْ، إِنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ وَإِنْ شَاءَ صَلَبَهُمْ.
وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُحَارِبِ الْمُعْلِنِ لِمُحَارَبَتِهِ أَوْ مَنْ كَانَ مُسْتَخْفِيًا بِذَلِكَ وَهُوَ يَظْهَرُ فِي النَّاسِ، قَالَ: الْمُعْلِنُ وَالْمُسْتَخْفِي فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، إِذَا كَانَ إِنَّمَا يُرِيدُ الأَمْوَالَ، فَإِنَّهُ إِنْ أَخَافَ فَقَطَعَ السَّبِيلَ أَوْ قَتَلَ، فَذَلِكَ إِلَى السُّلْطَانِ يُقِيمُ عَلَيْهِ أَيَّ هَذِهِ الْخِصَالِ رَأَى بِالاجْتِهَادِ فِي قَدْرِ جُرْمِهِ وَفَسَادِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَى هَوَى الإِمَامِ وَلَكِنْ إِلَى اجْتِهَادِهِ، وَالنَّفْيُ إِلَى أَرْضِ غُرْبَةٍ مِنْ بِلادِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَدْ نَفَى أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى فَدَكٍ.
- ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فِي اللِّصِّ الْمُحَارِبِ الَّذِي يَقْطَعُ السَّبِيلَ، إِنَّهُ إِذَا جَاءَ تَائِبًا فَإِنَّ الإِمَامَ يَقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ، وَلا يُعَاقِبُهُ فِي شَيْءٍ أَتَاهُ، إِلا أَنْ يَأْتِيَ أَحَدٌ يَطْلُبُهُ بِدَمٍ أَوْ مَالٍ، فَإِنَّ الإِمَامَ يَأْخُذُهُ بِذَلِكَ وَيُقِيمُهُ عَلَيْهِ، وَكُلُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ، فَإِنَّ الإِمَامَ لا يَضَعُهُ عَنْهُ، وَإِنْ جَاءَ تَائِبًا، فَإِنَّ السُّلْطَانَ يَقْبَلُ مِنْهُ وَيَضَعُ عَنْهُ الْقَتْلَ وَالصَّلْبَ وَالْقَطْعَ وَالنَّفْيَ، إِلا أَنْ يَأْتِيَ أَحَدٌ يَطْلُبُهُ بِشَيْءٍ، فَإِنَّ السُّلْطَانَ يَأْخُذُهُ بِحَقِّهِ مِنْهُ، لا يَضَعُ السُّلْطَانُ لِتَوْبَتِهِ حُقُوقَ النَّاسِ قَبْلَهُ.
- قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: 33] قَالَ: النَّفْيُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَنْفِيَهُ السُّلْطَانُ مِنْ بَلَدِهِ ذَلِكَ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ، ثُمَّ لا يَتْرُكُهُ يَرْجِعُ إِلَى بَلَدِهِ حَتَّى يَعْرِفَ مِنْهُ التَّوْبَةَ وَحُسْنَ الْحَالِ.
ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ أَنَّ عَامِلا لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَذَ نَاسًا فِي حِرَابَةٍ وَلَمْ يَقْتُلُوا، فَأَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ أَوْ يَقْطَعَ، فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: لَوْ أَخَذْتَ بِأَيْسَرِ ذَلِكَ.
قَالَ مَالِكٌ: يُرِيدُ بِذَلِكَ النَّفْيَ
ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ الصَّلْتَ كَاتِبَ حَيَّانَ بْنِ شُرَيْحٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ حَيَّانَ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: إِنَّ نَاسًا مِنَ الْقِبْطِ قَامَتْ عَلَيْهِمُ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّهُمْ حَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَسَعَوْا فِي الأَرْضِ فَسَادًا، وَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ} [المائدة: 33] ، وَسَكَتَ عَنِ النَّفْيِ.
وَكَتَبَ: فَإِنْ رَأَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَمْضِيَ قَضَاءُ اللَّهِ فِيهِمْ فَلْيَكْتُبْ بِذَلِكَ.
فَلَمَّا قَرَأَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ كِتَابَهُ قَالَ: لَقَدِ اجْتَرَأَ حَيَّانُ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي كِتَابُكَ وَفَهِمْتُهُ، وَلَقَدِ اجْتَرَأْتَ لَكَأَنَّمَا كَتَبْتَ بِكِتَابِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ أَوْ صَالِحٍ صَاحِبِ الْعِرَاقِ مِنْ غَيْرِ أَنْ أُشَبِّهَكَ بِهِمَا، وَكَتَبْتَ بِأَوَّلِ الآيَةِ، ثُمَّ سَكَتَّ عَنْ آخِرِهَا، وَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: 33] ، فَإِنْ كَانَتْ قَامَتْ عَلَيْهِمُ الْبَيِّنَةُ بِمَا كَتَبْتَ بِهِ فَاعْقِدْ فِي أَعْنَاقِهِمْ حَدِيدًا، ثُمَّ غَرِّبْهُمْ إِلَى شَغْبٍ وَبَدَا
ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ وَغَيْرِهِ بِنَحْوِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّكَ كَتَبْتَ إِلَيَّ تَذْكُرُ قَوْلَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْمُحَارِبِ، وَتَرَكْتَ قَوْلَ اللَّهِ: {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: 33] ، فَبِئْسَمَا أَنْتَ يَا حَيَّانُ بْنَ أُمِّ حَيَّانَ، لا تُحَرِّكِ الأَشْيَاءَ عَنْ مَوَاضِعِهَا، إِذْ تَجَرَّدْتَ لِلْقَتْلِ وَالصَّلْبِ، كَأَنَّكَ عَبْدُ بَنِي أَبِي عَقِيلٍ، مِنْ غَيْرِ أَنْ أُشَبِّهَكَ بِهِ، فَإِذَا أَتَاكَ كِتَابِي هَذَا فَانْفِهِمْ إِلَى شَغْبٍ 39 - قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ: قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} [المائدة: 33] ، الآيَةَ كُلَّهَا، قَالَ ابْنُ أَبِي سَلَمَةَ: فَمَنْ نَزَلَ بِهَذَا الْمَنْزِلِ فِي دَارِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ دَعْوَتِهِمْ فَحَارَبَهُمْ وَقَطَعَ سَبِيلَهُمْ وَسَعَى بِالْفَسَادِ فِي الأَرْضِ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ هَذِهِ الأَحْكَامَ تَجْرِي عَلَيْهِمْ بِاجْتِهَادِ الإِمَامِ بَعْدَ الْمَشُورَةِ مِمَّنْ هُوَ أَهْلٌ لَهَا، فَإِنْ قَتَلَ هَذَا الْمُحَارِبُ أَحَدًا قُتِلَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ وَقَدْ أَعْظَمَ الْفَسَادَ، حَلَّ بِذَلِكَ دَمُهُ، وَكَانَ الإِمَامُ يَرَى فِي ذَلِكَ رَأْيَهُ أَنْ قَتَلَهُ أَوْ صَلَبَهُ أَوْ قَطَعَهُ، كَانَ ذَلِكَ لَهُ، لأَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا قَالَ: {وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا} [المائدة: 33] ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَتْلَ بِخَاصَّةٍ إِلا مَا يَدْخُلُ فِيهِ الْقَتْلُ وَغَيْرُهُ مِنْ جُمْلَةِ الْفَسَادِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لا يَنْبَغِي أَنْ يُقْتَلَ إِلا إِذَا قَتَلَ، فَقَدْ أَحَلَّ اللَّهُ قَتْلَ النَّفْسِ بِالْفَسَادِ حِينَ قَالَ: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ} [المائدة: 32] ، إِنَّهُ يَقُولُ: بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ بِغَيْرِ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ، يَقُولُ: فَمَنْ قَتَلَهُ وَلَمْ يَقْتُلْ نَفْسًا وَلَمْ يُفْسِدْ {فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32] ، وَلَمْ يُخَصِّصِ اللَّهُ الْقَتْلَ فِي ذِكْرِ الْمُحَارَبَةِ بِشَيْءٍ إِلا مَا يَجْمَعُهُ وَغَيْرَهُ مِنَ الْفَسَادِ، وَلَكِنَّ الْفَسَادَ يَخْتَلِفُ، فَمِنْهُ مَا يَكُونُ كَبِيرًا عَظِيمًا، وَمِنْهُ مَا يَكُونُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَالإِمَامُ يَجْتَهِدُ فِي ذَلِكَ رَأْيَهُ فِي الْقَتْلِ أَوِ الْقَطْعِ أَوِ الصَّلْبِ.