أخذ المستدل يعتذر عن العارية، فقال: أما الأجزاء فإنه بالتلف باستعماله لا يضمنها. لأن الإذن له في الاستعمال إذن في ضمنه الإذن في إتلاف الأجزاء. لأن استعمال الأعيان على الدوام لا ينفك عن إتلاف الأجزاء. فأما إذا تلفت بغير استعمال، فذاك تلف بغير ما أذن فيه.
قال الحنبلي المعترض: فلا فرق بين تلفه وإتلافه بالاستعمال. ألا ترى أن من دفع إلى إنسان طعامًا، فقال له "كله"، أو شرابًا فقال له "اشرب هذا"، أو حطبًا فقال له "أشجره في تنورك"، إرفاقًا له وإباحة بهذه الأعيان، كما أرفقه بمنافع العارية، فإنه إن أكل الطعام وشرب الشراب وشجر الحطب، لم يضمن. ولو لم يفعل ذلك، لكنه تلف الطعام بأن سقط عليه غراب أو جارح فأخذه، أو استلبه كلب، فإنه لا يضمنه أيضًا. لأنه أخذه للإتلاف؛ فلا يضمنه بالتلف، وهو إتلاف العين.
وهل يجوز لعاقل أن يقول "إذا أتلفت العين، فلا ضمان عليك؛ وإن تلفت العين بفعل || الله، فعليك الضمان"؟
فقال الأشعري: إن الكلام من كمال صفات الحي. والله سح حي، قادر، عالم. فمن كمال الصفة له أن يكون متكلمًا.
اعترض عليه الآخر، فقال: نعم. ولكن المتكلم من كان فاعلاً