فقال: {ليذوقوا العذاب}. فدل على أن النضج الذي هو إحراق الجلد الذي خرجت من الروح يمتنع منه الحس الذي سماه الذوق. ولا حس مع موت. وإذا عدم الحس، خرجت النار عن أن تكون معذبة لهم، وخرجوا عن أن يكونوا معذبين. وكذلك الأخبار الصحاح في الموطأ وغيره، أن أرواح المؤمنين- وروي: أرواح الشهداء- في حواصل طير خضر تأكل من ثمار الجنة، وتروح إلى قناديل معلقة بالعرش. ولو كانت الأجساد على انفرادها عن الأرواح تتألم وتتنعم، والأرواح على حدتها، لما جعلها منسوخة في طائر. وقد روى: وإن الأرواح في طائر أسود في برهوت، ومن عذب الأموات، لا معنى في جعل الأرواح في غير أجسادهم. فهذه الأدلة امتنع معها صحة ذلك الخبر. فلما وجد الخبر في صحيح مسلم، لم يكن لرد الخبر وجه، وعدل إلى متنه.
فقال الحنبلي المعترض عليه: يجوز أن تكون إضافة الموت إليهم عند استيفاء العذاب، وعند أوان إخراجهم منها. وقد انتهى واستوفى المستحق من عذابهم، وهم عصاة المسلمين. ولهذا روي: يخرجون كضبائر الفحم، فيغمسون في بحر الحياة، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل. ويحتمل أن يكون ذكر الموت أنه يجعلهم في عذاب دون عذاب. وهذا يجئ على مذهب أهل السنة القائلين بعذاب القبر. والميت يعذب في قبره، كذلك جاز أن يعذب الميت في النار. ولا يبعد من قدرة الله إيصال العذاب إلى أجساد لا أرواح فيها، وإلى أرواح لا في أجساد، كما