الذي روع الخليل بذبح إسحاق وإسماعيل، وأدرج في هواجم البلاء عواقب النعماء، كتومه للعواقب يقوي آمالنا فيه مع تعاظم النوائب وأليم المصائب. من عرفه حق المعرفة، لم ييأس من لطفه، ولم يأمن من وقوع بطشه وهجوم عسفه. السلطان لا يؤنس إليه، ولا يعول في الشدائد إلا عليه. والله ما يتبذل بك إلا إذا تبذلت. ومعنى ((تبذلت)) خرجت من حكم العبودية إلى طرائق الخوارج عليه. ليس معنى الخروج أن تدعي الإلهية، لأن عجزك يمنعك من تلك الدعوى. لكن خرجت بحسب ما أمكنك، أو أمره إياك يملأ الآفاق، ونواهيه ووعيده يزعج السبع الطباق: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}، {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن}، {لا تأكلوا الربا}، {ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشةً وساء سبيلًا}، {وذروا ما بقي من الربا}، {فإن لم تفعلوا فأذنوا بحربٍ}، {إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر}، {فهل أنتم منتهون}.
فإذا صعد الملكان بأعمالك وعرضت فقالت الملائكة السماوية للحفظة: ((أين كان صاحبكم اليوم؟ وما الذي رفعتم من أعماله؟ )) قالا: ((كان في السوق يربي، وفي الزنقات يزني، وفي الخانات يشرب ويسقي، وعن المساجد يلفت ويلوي، وفي المساطب يغتاب، وفي مجامع الدعوات لعاب، وعلى الضعفاء من الخلق بطاش، وفي المكيال والميزان بخاس.)) هذا غاية جهدك