طالبة، والعقول عن المطالب باحثة. والوجدان متفاوت بين واجد بعسر وتعب، وبين مفاض عليه مطلوبه، فوجدانه بغير تعب ولا نصب. والمراد يسيل سيلاً من جهة الممد، المفيض جوده عن قدرة مطلقة، القاسم بحكمة تامة. فعطاؤه عن غنى وقدرة مطلقة، وقسمته من خلقه بحكمة. والطالبون بحكم دواعيهم وطباعهم كالصبيان، دأبهم طلب ما يشهيهم فقط، لجهلهم بما يصلح وما يفسد. وليس عطاء الحق بحسب قدرته المطلقة، ولا بحسب جوده الفائض، ولا بحسب دواعي الطباع الشرهة. لكن عطاؤه بحسب حكمته القاسمة على قدر المصالح.
فهذا أصل يجب إتقانه. والخلق فيه طبقات. فطبقة تتناول المطلوب بحسب دواعيها الشهوية، إذا كانت غير مربوبة؛ كالأيتام العادمين للآباء والأمهات والحواضن والدايات والأطباء والمعلمين. فهم كالسوائم بغير راع يجنبها المراتع الوخيمة ويتحرى لها المراعي السليمة. فناشئة هؤلاء هم الهمج الرعاع. فإذا تبسطوا في مطالبهم بحسب ما نشأوا عليه من تخليهم، أدبهم أرباب التسلط. فهم بين مصفوع بدرة المحتسب فيما صغر من الذنوب، وبين مضروب بسياط الشروط، وبين محصود بسيف السلطان. وذلك غب التخلية وعدم التربية. ومن رأى جنايات التشرد، فاستيقظ لنفسه من جانب فطنته وتلمحه ومزيته بعقله، ورأى فساد أحوال المتشردين فتحرى يلقط الآداب من المتميزين بالعقول والتجارب والصنائع، فهو أبدًا يستشير المشايخ، ويتعلم من أرباب