ومثل هذا لا يكون شهيداً إلا تسمية مجازية. مثل قوله ((قتيل بطنه شهيد)). فأما الشهادة التي تكون تطهيراً حكمياً-يعني عن الغسل- فلا. وحرصه صلع على غسله إنما هو غسل الموت. لكن قصد به فضل السبق. ولو عولنا على غسل الملائكة، وقلنا إنه يقوم مقام غسلنا، لما ضرنا. من حيث أنهم قد غسلوا أبانا آدم، وقالوا ((هذه سنة موتاكم، يا بني آدم! )) وشرع من قبلنا شرع لنا. وصلى جبريل بالنبي صلع واعتد بصلاته معه لما بين له الأوقات. وهم مكلفون يحسنون الغسل. ما المانع من صحة غسلهم وهم من أهل النية والتعبد؟ ومن صلح أن يكون إماماً في صلاة الفرض لرسول الله صلع لم يصح أن لا يغسل. وإنما الطريق بيننا وبين العلم بغسلهم، مع كونهم حافين، منقطع. ولو كان لنا صادق يعلمنا بأنهم غسلوا، لقبلنا وحكمنا بصحة غسلهم؛ لاسيما وهو فرض على الكفاية، إذا قام به بعض المكلفين، ناب عن الباقين.
وأما قوله ((كما سبقتنا إلى غسل حنظلة))، فيجوز أن يكونو علموا أنه لا يغسل الشهيد. فغسلته على حكم الأصل. وليس يلزم أن تكون الملائكة أعلم بالأحكام الشرعية منا. وقد جهل جماعة من أكابر الصحابة أحكاماً من كبار أحكام الشرع؛ كابن عباس في ربا الفضل الذي ترك وساده؟ وكان يأكل ما لم يفرق بينهما بالنظر والفرق بينهما.
وكم وكم من أمور جهلوها! فليس الملائكة بأعلم منهم. فلا عبرة بسبقهم،