القول من وجوه. أحدهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بين بفعله أقواله, وقد بعث مبينا. فمحال أن يبين بأدنى البيانين, أو يجعل الأضعف بيانا للأقوى. إنه لما بين عدد الصلوات, فسأله الأعرابي, فقال: "صل معنا." وقال لزوجته لما سئلت عن القبلة للصائم: "هلا أعلمتهم أني أقبل وأنا صائم؟ " وقال, لما سألته المرأة عن غسل الحيض: "أما أنا فأحثي على رأسي ثلاث حثيات من ماء. "ولما تكلموا في التحرج من استقبال القبلة في البنيان: " أو قد فعلوها؛ حولوا مقعدتي إلى القبلة. "لما عصي في قوله "انحروا هديكم في عمرة القضاء," قالت له أم سلمة "اخرج, وانحر." فنحر؛ فنحروا.
على أن قوة الفعل على القول ظاهرة. من ذلك أن القول يدخله التقدير والتقديم والتأخير والمجاز والاستعارة. ويقال للحي "ميت," وللعصير "خمر" لما يوؤل إليه؛ وللبالغ "يتيم," وللمعتق "عبد," وللمطلقة "زوجة" لما كانت عليه. ولا يكون فعلا الذبح, ووقوع الميت, وجميع الأفعال الواقعة, فيقال, هذا قتل مستعار" ويؤكد القول ويخرج عن تردده واحتماله بالأفعال وجلائل الأحوال. فلو سمع من وراء حجاب رجلاً يقول "زيد عالم فاضل, وعمرو عفيف ابن عفيفة," لقال "سمعت رجلا يمدح فلانا." ولو كشف الحجاب فرأى من وجهه