السائقة للعموم إلى القيعان الداثرة، المنشئة للأزهار المتنوعة؛ ورأى المعادن المعدة للحوائج العارضة؛ ورفع رأسه إلى الأفلاك الدائرة، والنجوم الزاهرة؛ ثم لا يمعن النظر ويحقق الفكر في هذه الأمور المشحونة بدلائل العبر؛ ثم لا يخرج من [هذه] الدار إلى الأخرى وما علم ولا خبر؛ - هذا بمثابة طين عمل لبناء، ثم سال عائداً إلى المقلع بصوت المطر. إذ لم يستفد بالوجود فائدة، بل ذاق مرارة الموت التي لم تقاومها حلاوة الوجود. غاية ما حصل من الدار ما عبلت به بنيته من الطعام والشراب، واستعادته إليها مع تطاول الأعصار والأحقاب.
77 - سأل سائل حنبلياً له قدم في التحقيق: ? ما بال الملائكة شغلوا بالتسبيح والتقديس؟ وهل هم مع ذلك أفضل من الآدميين أم لا؟
فقال الحنبلي: أما علة تسبيحهم واستدامة تقديسهم فإنهم أمة لا شغل لهم يقطعهم، ولا حاجات تمنعهم؛ قد كفوا مؤونة الأغذية والأدوية والتكسب لتحصيلها. والآدميون مغموسون في الاشتغال بالصنائع والأعمال التي يكتسبون بها الأموال لتحصيل الأقوات التي لا قوام لهم إلا بها، والأدوية لما يعرض من الأمراض والأعلال، وغير ذلك مما لا يستغنى فيه عن الأدوية التي لا يظفرون بها إلا بالأموال المحصلة لهم بالكد والاجتهاد. ثم في تناولها أكد شغل وأطول زمان. ثم طلب الراحة بعد ذلك التعب بالاستطراح للمنام.