اختلافهم على قولين في الإباحة والحظر إجماعًا على التسويغ. فإذا أجمع التابعون على أحد القولين، فمتى حكمنا بإجماعهم إجماعًا، أبطلنا ما أجمعت عليه الصحابة من تسويغ القول الآخر. وفي ذلك قول بإبطال إجماع الصحابة. ولا سبيل إليه؛ لأنه إجماع معصوم؛ سيما وإجماع التابعين مختلف فيه. فليس في قوة إجماع التبايعن ما يقضي على إجماع الصاحبة.
قال له معترض: فأليس هو اختلفت الصحابة في الحادثة، ثم أجمعوا على أحد القولين، قضي بالإجماع الثاني على الخلاف الأول؟
قال الحنبلي: أنا إن لم اشترط للإجماع انقراض العصر في صحة الإجماع، فلا أسلم جواز الاتفاق على أحد القولين بعد الاختلاف.
قالوا له: فلا يمتنع أن يكون إجماعهم مشروطًا بأن لا يجمع التابعون على خلافه.
قال الحنبلي: الإجماع مطلق إلى حين انقراض عصر الصحابة. فأما إذا ماتوا على ذلك، مدعي اشتراط نفي إجماع التابعين يحتاج إلى دليل.
قالوا له: فأليس لو اختلفت الصحابة في حادثة على قولين، ثم أجمعت على أحد القولين، صار الثاني إجماعًا، وخرج الأول [عن] أن يكون إجماعًا؟ كذلك هنا.
قال الحنبلي: أنا إذا اعتبرت انقراض العصر، تبينت أن الخلاف الأول لم يكن إجماعًا؛ لأن القائل نفسه قد رجع، وبان له الخطأ فيما كان أفتى به. وليس كذلك ههنا. لأنهم إذا ماتوا على اختلاف، كان