قال الشافعي: الأضحية معقولة، وإن القصد بها مؤاساة الفقراء بلحمها. ولهذا قال سح: {فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها}، {وأطعموا البائس الفقير}، {وأطعموا القانع المعتز}. وأما كراهية النفس الذبح واستبشاع العقل له، فمثله كراهية النفس لإخراج المال مجانًا بغير عوض؛ النفس مجبولة على كراهية ذلك. فأما إيلام الحيوان، فإن الرقة الداخلة على القلب والألم هو المستشبع للقتل لأجله. ولهذا تأباه النفس. وإن كان بحق، فلا اعتبار بإباء النفس له. وكل عقل قبح ما حسنه الشرع، فلا يعول عليه. ونحن اليوم نتكلم على ما نتفق عليه، لا على مذهب البراهمة، لا على مذهب من لا يفهم من الحشوية الذين يعتقدون أن في العقل ما يخالف الشرع، أو يرد الشرع بما يخالف العقل. فأما نحن فنتفق على أن الشرع لا يرد إلا بما يوافق العقل. فقولك ((إن الأضحية يتبشعها العقل)) كلام ساقط فيما بيننا. لم يبق إلا الرقة، والألم الحاصل بالذبح. وذلك قد حصل مع إقامة الحدود، وغير ذلك من الإيلام بحق؛ حتى إن النفوس لترق لبط الدبلة، وقطع الطرف من الآكلة. وإن كان العقل مستحسن ذلك حكمةً لحفظ الجملة وحراسة النفس، كذلك استبشاع النفس للذبح من علم العقل بحسن ذلك لحكمة الآمر به، وهو الشرع، وإن جهلت وجه المصلحة فيه.
ولهذا، من لا يعتقد الشرع كان يتمدح بعقر الأنعام للضيفان. ويتمادح الناس بالذبح، كما يتمادحون بإخراج المال والبذل للطعام. فإذا ندر من