قال له قائل: لعله أراد {مثلها} لا في المقدار ولا في الجنس، لكن أراد به أن يجازي على السيئة بالسيئة. ولأن الجريمة، إذا كانت معصية لصاحب رتبة، كانت عقوبتها بقدر رتبة المعصي. كمن ضرب ملكًا، استحق النكال؛ ولو ضرب واحدًا من جنده، لاستحق بحسبه. ولما كان الله سح لا غاية لعظمته، كانت عقوبة عاصيه بحسب ذلك.
قال المستدل: لا يجوز أن يكون المراد به: مثلها سيئة. لأنه ذكر في الحسنة تضاعف المقدار بقوله: {فله عشر أمثالها}؛ دل بعد ذلك قوله {من جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها} أنه راجع إلى مثل في المقدار بمعنى ليس فيه تزايد يحصل به الحيف والظلم. وأما قولك إن العقوبة على قدر الرتبة، فليس ذلك لأجل الرتبة، لكن لما أدخل على صاحب الرتبة من المعيرة والضرر بما ألحقه به. كمن رجم ملكًا، أو لطم إمامًا أو قاضيًا؛ فإنه يكسر ذلك من جاهه ما يقتضي السياسة المبالغة في الردع عنه. فأما الباري سح فإنه لا تدخل عليه المضرة ولا المعيرة؛ وهو الغني عن العقاب. وكان العدل في حقه الموازنة بين الجريمة وعقوبتها من غير زيادة.
قال له قائل: فما لا تدخل به المعيرة والمضرة نقبح فيما بيننا العقوبة عليه. كالاستناد إلى ظل حائطه متعريًا عن ضرر، لا جرم لم تحسن العقوبة عليه؛ كذلك في حق الله تع ولو عاقب معاقب على ذلك، لعد ظالمًا. والله سح يعاقب على معاصر لا تضره، ولا يكون ظالمًا بأصل العقوبة. كذلك لا يوجب أن يكون ظالمًا بمقدارها وزيادتها.