وتبين أن الحكم غير متعلق بنفس اللبن، ولكن بما يقع به النشؤ. ثم نفس اللبن لا يتعلق به النشؤ، ولا بمقدار. وعادات الصبيان في الرضاع بالمصة. واللبن نفسه في المصات يجري؛ فلا يمكن التقدير به. فقدرنا بالسبب الظاهر، وهو الرضعات؛ كما أقيم الوطء مقام الماء في إثبات الحرمة. لأن الماء أمر خفي فأقيم سببه مقامه. ولما قام الارتضاع الذي هو سبب ظاهر مقام اللبن، قيل: إذا كثر فعل الصبي ارتضاعًا، تعلقت به الحرمة، قل اللبن أم كثر؛ وإذا قل الفعل لم تتعلق به الحرمة، وإن كثر اللبن؛ كما في باب الرخص، لتعلقه بالمشقات. فإن السفر في مشقة الحركة، لما أقيم بكونه سببًا له مقام المشقة، تعلقث به الرخصة، بحقيقة المشقة أم لا. وقد ذكرنا أمثلته في غير موضع. فأما اللبن إذا خلط بالماء والماء غالب، فإن الحرمة لا تثبت عندي إلا بشرب الصبي مع اللبن قدر ما لو شربه وحده ثبتت الحرمة. إنما قول لا يسقط حكمه تغليبًا لما عليه وإن تغير جنسه؛ لأن ذاته لا يتبدل؛ ولكن يختفي لغلبة غيره عليه. فهو كما لو شرب اللبن، ثم ماءً كثيرًا بعده. وكذلك الحرمة تثبت وإن جعل اللبن أقطًا أو جبنًا مثلاً؛ لأنه ليس إلا بعين الجنس وحكم العين الأول عندي لا يسقطه. حتى لو كان غصبًا لا ينقطع المغضوب منه.
ولعلمائنا قول الله تع: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة}.