ألوانها وطعومها وأراييحها، أن تدرك مضارها ومنافعها وخواصها، بل تدرك مداركها منها، وتقف في حدها إلى أن يجيئها [الحكم] من قبيل معنىً زائدٍ عليها: وهي التجارب، أو النقل من المجربين، أو الوحي والإلهام للمرسلين. فالإباحة والحظر ليست بأكثر من المنع لمضرة ومفسدة وغائلة غير محمودة أو سلامة عاقبة في تناوله. وهذه الأحكام للأعيان، كالمضار والمنافع والخواص في العقاقير. وكما لا نكون بسلب علم ذلك بدرك الحواس باخسين للحواس حظها ولا مسفسطين فيها، كذلك إذا وفينا العقول حظها من قضاياها العلمية لما تدركه من الاستدلال، ولم نعطها فوق حقها من التحريم والإباحة والإيجاب، لا نكون مسفسطين، بل نكون آخذين بالجزم، حيث جرينا في موضع الجري، ووقفنا في موضع الوقف.

قال المعترض: فقد بخست العقل حظه. فإن في قواه أن يخبر ويعلم بالنظر الذي قضى به على إثبات الصانع، والقول بأنه عالم، والعلم بصدق الصادق عنه. ويمثل ذلك النظر الصحيح نظر في هذه الأعيان، مأكولة ومشروبة، ومركوبة وملبوسة، وجالبة للنفع ودافعة للضر.

فقسم الأمر فيها|| ثلاثة أقسام، فقال: لا يخلو أن يكون خلقها لنفسه، أو لنا، أو عبثاً. لا يجوز أن يكون لنفسه، إذ لا يليق بذاته الضر ولا النفع- تعالى عن ذلك! ولا يجوز أن يكون عبثاً، لما ثبت من حكمته وما نطق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015