وفورة سخطه؟ تريد في مزاجه نار ولا يحرق، وما فيه ماء لا يلين، وما فيه طين ولا يثقل، وما فيه هواء لا يبرد. بلى- والله- إن أهاجته النار وحركته السخونة برده الهواء، وإن برده الهواء سخنته النار، وإن خف بالروح ثقل بالجسد، وإن عدل بالعقل جار بالهوى، وإن صفا بالجوهر تكدر بالمدر، وإن تواضع بالطين تكبر بالنار.
وليس خيار الناس بأكثر من الأدوية، ولا شرارهم بأدون من السموم، ولا متوسطهم بخارج عن طبع الأغذية. فما خلص من مركبات النبات والحيوانات دواء وشفاء أعقب علة وداء. فالمقبض من الحبوب والنبات، إن قطع الذرب، أورث القولنج؛ والمسهل من الحموضات|| المحتدة، إن دفع وسهل، أعقب السحوج؛ والحار الرطب، إن أزال التقليص والبنج، أورث الإرخاء والتمدد. فإذا كانت الأدوية كذا، فكيف بالسموم؟ وأما المتوسط من الأغذية، فهي من معفن أو مبرد أو مسخن. فإذا كانت الأغذية كذا، وهى القوت، ومنها البناء مع المزج في أصل الخلقة، فما وجه مطالبتنا بالصفو؟
وهذا الخالق الكريم المنزه الذات عن التركيب والأخلاط، لأنه واحد، لكن لا وصلة بيننا وبين ذاته، وإنما انتفاعنا بأفعاله، وما خلصت لنا أفعاله، بينا يغني يفقر، وبينا يعافي يمرض، وبينا يضحك يبكي، وبينا يحيي يميت، إلى أمثال ذلك من أفعاله المختلفة في العالم. لسنا منها