للأعمال وحمل الأثقال أتى عليها الكد بالهلاك والاستئصال. فسبحان القسام بين الخلق حظوظهم من المنافع والمضار!
283 - وتذاكرنا في بعض المجالس أمر المصاب، هل الأفضل تخفره عن الناس واعتزاله، أو تكشفه وظهوره. فقال بعض الحاضرين: بل ظهوره، ليتسلى بكلام المعزين ويتشاغل عن أن يخلو به الحزن فيعمل في نفسه وينكي قلبه، خير من الانفراد. فإن المنفرد يخلو بمصابه، ويتشكل له المصاب به نصب عينيه. فلا يزال يعمل في صفاته حتى يأتي على مقاتله.
وقال آخر: بل انفراده؛ ليستريح من كلفة التجمل والتعمل. لأنه ربما أراد إظهار التجلد لحاسد، والتعمل لحكيم ناه له عن الجوع، والتباكي في غير أوان البكاء، خوف عياب له على الصبر. فإن كما في الناس عائب على الحزن والجزع، وهم أعداد من أهل الشرع والحكمة، كذلك فيهم عياب على التماسك؛ لأنهم يعدون ذلك قلة وفاء وألف وحباسة طبع وقساوة قلب؛ وكلاهما عيب. وما أشغل المصاب المحزن بحزنه عن تكلف هذه الأمور وتحمل هذه الأثقال! نعم، وفي خلال ذلك إن قصر بحق قاصد، فالويل له من القاصد ينسبه في ذلك إلى الكبر والخيلاء والعجرفة.
وجرى بين الفريقين تخليط كثير ومداخلة وشغب. فقالت الجماعة