ليس في قواها الإيجاب، لكن في قواها الاستدعاء. ألا ترى أنه لما لم يكن في معناها ومقتضاها الترك ولا الكف، لا جرم إذا نقلت بدلالة الحال إلى المهدد والمعجز، صارت زجرًا عن الفعل في حقه، فاستحالت إلى ضدها.

قال له مجيب حنبلي من أهل العلم بالأصول: أنا لا أقول إن في قوة اللفظة وجوب العقاب على المخالفة. لكن ذاك حكم يترتب على كونها تقتضي الاستدعاء الحتم. فلما نقلت إلى الدني الرتبة، وليس في قوة حاله وتسلطه أن يحتم أمره واستدعاءه على سلطانه وأبيه وسيده، كانت اللفظة بمقتضاها الأول في الوضع، وهو الاستدعاء خاصة دون الإيجاب، وانحبط الإيجاب لمكان عدم الرتبة.

قال المعتزلي: الله أكبر! فهذا الكلام منك شاهد عليك بأن الصيغة في أصل وضعها للاستدعاء والإيجاب زائد من زوائدها الصالح لها بدلالة وقرينة هي غيرها. قال: وأنا أوضح ذلك. وهو أن السامع إذا سمع هذه الصيغة من وراء جدار، ولا شاهد حال من لفظ ولا قرينة ولا علم، لم يدر أسؤال هي أم أمر، أو تهديد، أو تعجيز. فإنه يحملها على ظاهر محتملاتها من الاستدعاء. ولا يوجب ذلك توقفه بإجماع منا جميعًا؛ خلاف الأشاعرة. وأما الإيجاب، فأمر زائد على الاستدعاء؛ فعلم أنه لا يثبت بمجرد الصيغة، لكن بدلالة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015