وروى الطبراني بإسناده أنه كان في زمن النبي صلي الله عليه وسلم منافق يؤذي المؤمنين، فقال بعضهم: قوموا بنا نستغيث برسول الله صلي الله عليه وسلم من هذا المنافق. فقال النبي صلي الله عليه وسلم: " إنه لا يستغاث بي، وإنما يستغاث بالله عز وجل " 1.
..................................................................................................
للداعي عدوا، ثم أخبر تعالى أن ذلك الدعاء عبادة بقوله: {وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} 2 فدلت أيضا على أن دعاء غير الله عبادة له، وأن الداعي له في غاية الضلال، وقد وقع من هذا الشرك في هذه الأمة ما طم وعم حتى أظهر الله من يبينه بعد أن كان مجهولا عند الخاصة والعامة إلا من شاء الله تعالى، وهو في الكتاب والسنة في غاية البيان.
لكن القلوب انصرفت إلى ما زين لها الشيطان كما جرى للأمم مع الأنبياء والمرسلين لما دعوهم إلى توحيد الله، جرى لهم من شدة العداوة ما ذكره الله تعالى كما قال تعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ. أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} 3 ويشبه هذه الآية في المعنى {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ. إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} 4 أخبر الله تعالى أن ذلك الدعاء شرك بالله وأنه لا يغفره لمن لقيه به، فتدبر هذه الآيات وما في معناها كقوله: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} 5 {قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً} 6 وهو في القرآن أكثر من أن يستقصى.
قوله: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} 7، وهذا مما أقر به مشركو العرب وغيرهم في جاهليتهم كما قال تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} 8 أخبر تعالى أنهم يخلصون الدعاء له إذا وقعوا في شدة. قال أبو جعفر بن جرير - رحمه الله تعالى -: يقول تعالى: {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} 9 يفعل هذه الأشياء بكم وينعم عليكم؟ وقوله: {قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} يقول تذكرا قليلا من عظمة الله وأياديه عندكم تذكرون وتعتبرون حجح الله عليكم يسيرا فلذلك أشركتم بالله غيره في عبادته.