إِحْسَاناً} 1 أي حرم عليكم الشرك الذي نهاكم عنه بقوله: {أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} 2 فالشرك أعظم ذنب عصي الله به أكبره وأصغره.
وقد وقع الأكثر من متأخري هذه الأمة في هذا الشرك الذي هو أعظم المحرمات، كما وقع في الجاهلية قبل مبعث النبي صلي الله عليه وسلم، عبدوا القبور والمشاهد والأشجار والأحجار والطواغيت والجن، كما عبد أولئك اللات والعزى ومناة وهبل وغيرها من الأصنام والأوثان، واتخذوا هذا الشرك دينا ونفروا إذا دعوا إلى التوحيد أشد نفرة، واشتد غضبهم لمعبوداتهم، كما قال تعالى: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} 3، وقال تعالى: {وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً} 4، وقال: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ. وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} 5.
علموا أن لا إله إلا الله تنفي الشرك الذي وقعوا فيه، وأنكروا التوحيد الذي دلت عليه، فصار أولئك المشركون أعلم بمعنى هذه الكلمة: "لا إله إلا الله" من أكثر متأخري هذه الأمة، لا سيما أهل العلم منهم الذين لهم دراية في بعض الأحكام وعلم الكلام، فجهلوا توحيد العبادة، فوقعوا في الشرك المنافي له وزينوه، وجهلوا توحيد الأسماء والصفات وأنكروه، فوقعوا في نفيه أيضا. وصنفوا فيه الكتب لاعتقادهم أن ذلك حق وهو باطل.
وقد اشتدت غربة الإسلام حتى عاد المعروف منكرا، والمنكر معروفا، فنشأ على هذا الصغير، وهرم عليه الكبير، وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم: " بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ" 6.