وأنكروه على من دعاهم إليه، فلم يعرفوا منها ما عرف أهل الجاهلية من كفار قريش ونحوهم1 فإنهم عرفوا معناها وأنكروا ما دلت عليه من الإخلاص، كما قال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ. وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} 2. والمشركون من أواخر هذه الأمة أنكروا ما أنكره أولئك على من دعاهم إلى ترك عبادة ما كانوا يعبدونه من دون الله من القبور والمشاهد والطواغيت ونحوها، فأولئك عرفوا هذا المعنى وأنكروه، وهؤلاء جهلوا هذا المعنى وأنكروه، فلهذا تجده يقول لا إله إلا الله، وهو يدعو مع الله غيره.
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: الإله هو الذي تألهه القلوب محبة وإجلالا وإنابة وإكراما وتعظيما، وذلا وخضوعا وخوفا ورجاء وتوكلا.
وقال الوزير أبو المظفر - رحمه الله تعالى - في "الإفصاح" قوله: شهادة أن لا إله إلا الله يقتضي أن يكون الشاهد عالما بأن لا إله إلا الله، كما قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ} 3. قال: واسم الله مرتفع بعد إلا من حيث إنه الواجب له الإلهية، فلا يستحقها غيره سبحانه. قال: وجملة الفائدة في ذلك أن تعلم أن هذه الكلمة مشتملة على الكفر بالطاغوت وعلى الإيمان بالله، فإنك لما نفيت الإلهية وأثبت الإيجاب لله كنت ممن كفر بالطاغوت، وآمن بالله.
وقال ابن رجب رحمه الله تعالى: الإله هو الذي يطاع فلا يعصى هيبة له وإجلالا ومحبة وخوفا ورجاء وتوكلا عليه وسؤالا منه ودعاء له، ولا يصلح ذلك كله إلا لله عز وجل، فمن أشرك مخلوقا في شيء من هذه الأمور التي هي من خصائص الإلهية كان قدحا في إخلاصه في قول لا إله إلا الله، وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك.
وقال البقاعي: "لا إله إلا الله"، أي انتفى نفيا عظيما أن يكون معبود بحق غير الملك الأعظم قال: وهذا العلم هو من أعظم الذكرى المنجية من أهوال الساعة، وإنما