البعيدة بين تدبير البشر لأنفسهم فيما يحسبونه الخير، وتدبير ربِّ البشر لهم ولو كرهوه في أول الأمر.

والباطل مهما طال أمده، وقريت شوكته، لابد له -على كثرة أنصاره وقوة عوده- من يوم يخر فيه صريعاً أمام روعة الحق، وقوة الإيمان {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ} (الرعد آية 17) .

وليست غزوة بدر الكبرى التي قام بها المسلمون في السنة الثانية من الهجرة وفي رمضان المبارك إلا تطبيقاً عملياً لهذه السُّنَّة التي وضعها الله سبحانه وتعالى في صراع الحق للباطل، وهي من السنن التي لا تتبدل ولا تتغير، وليس الحديث عنها حديثاً عن مجرد معركة قامت بين فريقين اختصما على بعير أو قطعة من الأرض، أو على قتل نفس بريئة فانتصر أحدهما على الآخر، وإنما هو حديث كيف يصرع الحقُّ بجلاله الباطل بعدته.

والصراع بين الحق والباطل ليس صراع وقت دون وقت، ولا مكان دون مكان، وإنما هو شأن بشريٌّ عام ما دام الإنسان، وما دام في الإنسان إيمان ورحمة، وتقى وصلاح، وفيه كفر وقسوة، وفجور وانحراف.

وتلك طبيعة الإنسان لم يخلقه الله حين خلقه إلا كان من جنده قوى الخير تدفعه إلى الإيمان وإلى الكفاح في سبيله، وكان من جنده قوى الشر تدفعه إلى الطغيان وإلى الكفاح في سبيله قال الله سبحانه وتعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} (الشمس آية 7-10) .

وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} (الإنسان آية 2-3) وسأتناول الحديث عنها في النقاط الآتية:

1- مقدمة الغزوة.

2- سبب الغزوة ووصف المعركة وفضل الله على المسلمين فيها.

3- تسجيل لمواقف الخزي والعار بالنسبة لقريش ورجالها.

4- أسباب النصر وعوامله.

5- الأسرى وموقف الرسول صلى الله عليه وسلم منهم.

6- الخاتمة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015