وَهَذَا القَوْل أَعنِي: إِنْكَار الْخَالِق، لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا شرذمة قَليلَة من الفلاسفة الدهريين، وَلَيْسَ لَهُ أَي صدى لَدَى الْمُسلمين، بل إِن جُلَّ بني آدم يستنكرونه ويردونه، فَإِن جَمِيع أَصْحَاب الْأَدْيَان على خِلَافه، وَحَتَّى الدول الشيوعية الملحدة فِي هَذِه الْأَزْمَان إِنَّمَا ملاحدتها هم الساسة وَمن دَار فِي فلك أحزابهم. أما الشعوب الَّتِي تَحت حكمهم فهم مَا بَين نَصَارَى ويهود ومسلمين يقرونَ بالخالق ويدينون لَهُ بدين.
القَوْل الثَّانِي: الوجوديون.
الوجوديون هم الْقَائِلُونَ بوحدة الْوُجُود، وأساس مذهبم يقوم على قَول الْقَائِلين من الْمَلَاحِدَة: إِن أصل هَذَا الْعَالم هُوَ الْمَادَّة وَلَا يُوجد فِيهِ إِلَّا مَا هُوَ جسم، فَركب عَلَيْهِ الْقَائِلُونَ بوحدة الْوُجُود: إِن هَذَا الْعَالم تشيع فِيهِ قُوَّة حَيَّة هَذِه الْقُوَّة الْحَيَّة هِيَ الله تَعَالَى عَن قَوْلهم وَأَنه منبث فِي هَذَا الْكَوْن فِي كل ذرة من ذراته وَهُوَ الْقُوَّة المصرفة لَهُ1.
وَأول من ثَبت عَنهُ هَذَا القَوْل برمنيدس2 ثمَّ قَالَ بِهَذَا الرواقيون3 وعَلى رَأْسهمْ زعيمهم زينون4 وميلوس، ثمَّ من أَخذ بِهَذَا من الرومان وَالْيَهُود