ذلك أن الإحداث في الأصل الأول إنما حصل بقصد الدخول تحت حكم الشريعة، والانقياد لها بالطاعة والخضوع، فالمحدِث ها هنا يريد التقرب، لكنه وقع في الإحداث بتقربه هذا، وذلك لأنه تقرَّبَ إلى الله بما لم يشرع.
أما الإحداث في الأصل الثاني فإنه يوجد دون قصد التقريب، فالمحدِث ها هنا لا يريد بإحداثه التقرب إلى الله؛ إذ هو لا يقصد الدخول تحت حكم الشريعة، أو الانقياد لدين الله بالخضوع، لكنه بإحداثه هذا خرج - من حيث قصد أو لم يقصد - عن حكم هذه الشريعة ونظام هذا الدين.
معنى هذا الأصل: أن كل عمل - ولو كان مشروعًا - يُفضي إلى الإحداث في الدين فهو ملحق بالبدعة إن لم يكن بدعة.
قال ابن الجوزي: (فإن ابُتدع شيء لا يخالف الشريعة، ولا يوجب التعاطي عليها؛ فقد كان جمهور السلف يكرونه، وكانوا ينفرون من كل مبتدَع وإن كان جائزًا؛ حفظًا للأصل، وهو الإتباع) (?).