ومن هذا الباب أن يكون المتن مما يشتهر مثله عند رواة بلده، فيأتي من بلد آخر، فيستغرب من هذه الحيثية، أن كيف لم يروه أهله، وهم أولى به.
فقد قال قتادة: إن إنساناً وقع في بئر زمزم، فمات، فأمر ابن عباس بالعيون فسُدَّت، وأن ينزح الماء. قال ابن عيينة عقبه: ولا يعرف أهل مكة هذا الحديث، وإنما جاء من قِبَلِ العراق (?) .
وهذا المبحث إنما يقدر عليه من عاش مع الحديث وعلله وطرقه وألفاظ رواته السنين الطويلة، مع ملازمة أهل الفهم به، والعكوف عليه، فيصير لديهم ملكة لا يعبر عنها بأمر سوى ما يهجم على قلوبهم ويسبق على ألسنتهم.
11) اختلاف ألفاظ الروايتين: ومن أمثلته الاختلاف على قَتادة - على وجهين - في حديث، فسأل ابن أبي حاتم أباه عن الراجح فقال: «الحديثان عندي صحيحان، لأنَّ ألفاظهما مختلفة» (?) .
12) اضطراب إحدى الروايتين: وأصل ذلك أن الاضِّطراب مما يوهن الرِّواية، وإن لم يستلزم القدح فيها بالكلية.
فإذا رُوِيَ حديثٌ عن قَتادة - مثلاً - ورواه عنه سعيد بن أبي عَروبة وهشام الدَّسْتَوائي، واختلف على سعيد بن أبي عَروبة، فإن جانب هشام الدَّسْتَوائي هنا أقوى من هذه الحيثية فيقدم لذلك.