...
الفَصلُ الثَّالِث: استِخدَام الأرض دَاخل المَدينَة "التركيب الوظيفي للمدينة":
المدينة محلة عمرانية يتفاوت فيها استخدام الأرض تفاوتا ملحوظا بين حي وآخر على رقعتها المدنية، ولذا يبدو كل جزء منها وقد تخصص في وظيفة معينة ويتميز عن أجزاء المدينة الأخرى بهذه الوظيفة، ولذلك تبدو الرقعة السكنية في المدينة غير متجانسة على الإطلاق. وإن رحلة واحدة من شوارع القلب التجاري إلى ضواحي المدينة ستكشف عن مجموعة من الاختلافات المتعاقبة.
وفي المدينة الواحدة نجد مناطق للسكنى وأخرى للصناعة وثالثة للأعمال التجارية ورابعة للخدمات الإدارية وغيرها. وإذا كانت أحياء المدينة تختلف في داخلها كذلك فالأحياء السكنية تتفاوت في مستواها الاجتماعي، فهناك أحياء راقية تسكنها الطبقة الأرستقراطية تتميز بالهدوء وأحياء أخرى لسكنى العمال والموظفين ذوي الدخل المحدود تميزها الضوضاء والنشاط، كما أن في المدن الكبرى توجد أحياء مختلفة للسكان حسب وحدة العنصر أو الأصل، ففي شيكاغو ونيويورك نجد أحياء الزنوج وكذلك أحياء للمهاجرين الإيطاليين أو اليابانيين وغيرهم.
ولا ريب في أن وظيفة المدينة تنعكس على أحيائها -وهذه بالتالي تطبع المدينة بطابع خاص، ولذا فقد أصبح من الأمور الأساسية في دراسة المدن تقسيمها حسب نمط استخدام الأرض بها، أو كما هو شائع، حسب تركيبها الوظيفي Functional structure، أي تقسيمها إلى أحياء مختلفة، ويرتبط التركيب الوظيفي للمدينة بمراحل نموها بل وفي كثير من الأحيان بالعوامل الرئيسية التي أدت إلى هذا النمو، فكل مرحلة تتميز بوجود وظائف