بدأت الحياة الحضرية في الانتشار بصورة أوسع في عهد الإمبراطورية الرومانية التي توسعت بعد أن هزم الرومان اليونانيين في إيطاليا وصقلية والاستيلاء على مناطق كانت خاضعة لليونان بالإضافة إلى مناطق أخرى في شمال غرب أوروبا، وقد ظهرت المدن في شمال جبال الألب لأول مرة، وأنشئت مدن في وادي الراين وفي إنجلترا كذلك، وكانت الوظائف الدفاعية والإدارية لهذه المدن تفوق الوظيفة التجارية، ووجدت بعض منتجات هذه المدن طريقها عبر الإمبراطورية الرومانية وساعد على ذلك الطرق الرومانية الشهيرة في أوروبا وامتدادها في آسيا وأفريقيا.
وقد أدت مظاهر التقدم الحضاري هذه إلى نمو كبير لبعض المدن سواء كانت مواني أو مراكز إدارية وتجارية، وتعطي التقديرات المعقولة رقما لسكان روما في القرن الثاني الميلادي يصل إلى 200.000 نسمة ولبيزنطة في أواخر الإمبراطورية الرومانية إلى 192.000 نسمة. وكان معظم المدن شبيه الحجم للمدن التي أنشأها اليونانيون، وقد وصلت رقعة المدن الكبرى مثل لندن الرومانية إلى مساحة بلغت 300 فدان وبسكان قدروا بحوالي 30.000 نسمة.
ويرجع الفضل للرومان في إنشاء كثير من المدن الداخلية في أنحاء الإمبراطورية وكانت هذه المدن معسكرات للمحاربين القدماء الذين نزحوا من إيطاليا لتخفيف ضغط السكان على موارد الرزق، وكان بعضها الآخر محلات للتجار والصناع وغيرهم قامت بجانب الحصون والقلاع على حدود الإمبراطورية مثل يورك York في بريطانيا وكولون في ألمانيا وبلغراد في يوغسلافيا.
وإلى جانب هذه المدن الجديدة كانت هناك مدن سبقت قيام الإمبراطورية الرومانية وازدادت أهميتها بسبب التخصص التجاري، مثل مدن البحر الأحمر المصرية والتي كان أهمها أرسينوي "مكان السويس الحالية" وبرنيس في موضعها الحالي -وكانت تستقبل التجارة من الشرق الأقصى، كذلك زادت أهمية مدن القوافل على حافة الصحراء السورية مثل تدمر في سوريا والبطراء