...
الفَصلُ الأول: مَفهُوم الجُغرافيَا البشريَّة وتَطوّرهَا
الجغرافيا -علم من العلوم الإنسانية- تعددت الآراء في تعريفه وفي تحديد مجالات البحث فيه وإن كانت معظم الآراء تجمع على أنه يدرس سطح الأرض في تباينه المساحي بوصفه موطنا لبني البشر، وذلك بأسلوب علمي منتظم يقوم على الملاحظة والوصف والشرح والاستنتاج لظاهرات هذا السطح وتوزيعها واستنباط أوجه العلاقات القائمة بينها وبين الإنسان.
وينقسم علم الجغرافيا إلى قسمين كبيرين: الجغرافيا الطبيعية والجغرافية البشرية، ويشمل كل منهما عدة فروع متخصصة تهتم بصورة أعمق بدراسة ظاهرات جغرافية محددة تتطلب لذلك منهجا خاصا ومنفردا وإن كان لا ينفصل عن باقي الفروع بل يتكامل معه في النهاية داخل إطار واحد ذي تفاعلات داخلية بين مكوناته.
وتهتم الجغرافيا الطبيعية بدراسة سطح الأرض: تركيبه ومظاهره التضاريسية والمناخ والغطاء النباتي والحياة الحيوانية وكذلك المسطحات المائية البحرية والمحيطية، أما الجغرافيا البشرية فتتناول دراسة توزيع المجتمعات البشرية ومدى التأثير المتبادل بينها وبين بيئاتها الطبيعية والصور الاجتماعية الناجمة عن تفاعل الإنسان ببيئته المحلية مثل توزيع السكان وأنماط العمران حضريا كان أم ريفيا، كما تشمل دراسة النشاط البشري ومؤثراته وتوزيعها وكذلك التركيب السياسي للدول كظاهرات جغرافية تمثل رقعا من سطح الأرض لها حدودها الاصطناعية وموقعها وإمكانياتها الاقتصادية والبشرية، وما يترتب على ذلك من نتائج سياسية توجهها وتؤثر فيها بالضرورة الظروف الجغرافية السائدة على المستويين الإقليمي والعالمي.
وتتحدد طبيعة الجغرافيا البشرية بدراستها لملامح التفاعل وأوجه التباين