باختيار أنفسهم على هواهم يفعلون ما يهوونه ولا حجر عليهم، كما أن المنفك لا حجر عليه .. إلى أن قال: فالمقصود أنهم لم يكونوا متروكين لا يؤمرون ولا ينهون، ولا ترسل إليهم رسل، والمعنى: أن الله لا يخليهم ولا يتركهم، فهو لا يفكهم حتى يبعث إليهم رسولاً كقوله تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} (?) أي: لا يؤمر ولا ينهى، يعني: أيظن أن هذا يكون؟ ! فهذا ما لا يكون البتة، بل لابد أن يؤمر وينهى. وقريب من ذلك قول الله تبارك وتعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4) أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (5)} (?) أنعرض عنكم بسبب إشراككم؟ ! فهذا استفهام إنكاري بمعنى: لأجل إشراككم نترك إنزال الذكر، ونعرض عن إرسال الرسل؟ ! فهذا ما لا يكون. فتبين من ذلك كله أن الأصح في تفسير قوله تعالى: ((مُنفَكِّينَ)) أي: متروكين، وبه يزول الإشكال الذي أورده الفخر الرازي، ويستقيم السياق، ويتضح المعنى (?).