ربه عز وجل"؛ ووجه الضمائر، أن كلامه عليه السلام، خرج على حكاية لسان الحال التي شاهدها من ربه عز وجل. وأما الحديث الذي ليس بقدسي فإنه يخرج مع النور الساكن في ذاته عليه السلام الذي لا يغيب عنها أبدًا، وذلك أنه عز وجل أمد ذاته عليه السلام بأنوار الحق كما أمد جرم الشمس بالأنوار المحسوسة فالنور لازم للذات الشريفة لزوم نور الشمس لها.
وقال مرة أخرى: "وإذا فرضنا محمومًا دامت عليه الحمى على قدر معلوم وفرضناها تارة تقوى حتى يخرج بها عن حسه، ويتكلم بما لا يدري وفرضناها مرة أخرى تقوى، ولا تخرجه عن حسه ويبقي على عقله، ويتكلم بما يدري فصار لهذه الحمى ثلاثة أحوال قدرها المعلوم، وقوتها المخرجة عن الحس وقوتها التي لا تخرج عن الحس فكذا الأنوار في ذاته عليه السلام فإن كانت على القدر المعلوم فما كان من الكلام حينئذ فهو الحديث الذي ليس بقدسي، وإن سطعت الأنوار وشغلت في الذات حتى خرج بها عليه السلام عن حالته المعلومة فما كان من الكلام حينئذ فهو كلام الله سبحانه، وهذه كانت حالته عليه السلام عند نزول القرآن عليه، وإن سطعت الأنوار ولم تخرجه عن حالته عليه السلام فيما كان من الكلام حينئذ قيل فيه: حديث قدسي".
وقال مرة: "إذا تكلم النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان الكلام بغير اختياره، فهو: "القرآن"، وإن كان باختياره، فإن سطعت حينئذ أنوار عارضة، فهو الحديث القدسي وإن كانت الأنوار الدائمة فهو الحديث الذي ليس بقدسي ولأجل أن كلامه لا بد أن تكون معه أنوار الحق سبحانه كان جميع ما يتكلم به -صلى الله عليه وسلم- وحيًا يوحى وباختلاف أحوال الأنوار افترق إلى الأقسام الثلاثة والله أعلم".
قال السيد أحمد بن المبارك: "فقلت هذا كلام في غاية الحسن ولكن ما الدليل على أن الحديث القدسي ليس من كلامه عز وجل؟ ".
فقال -رضي الله عنه: "كلامه تعالى لا يخفى" فقلت: "بكشف؟ " فقال -رضي الله عنه: "بكشف وبغير كشف، ولك من له عقل، وأنصت للقرآن ثم أنصت لغيره أدرك