1- المقصد الأول:
في أن طلب الحديث أن يتقى به الله عز وجل، وأن طلب الشارع للعمل لكونه وسيلة إلى التعبد به.
قال العلامة أبو إسحاق الشاطبي في الموافقات في مقدمتها السابعة: "كل علم شرعي، فطلب الشارع له إنما يكون من حيث هو وسيلة إلى التعبد به لله تعالى، لا من جهة أخرى فإن ظهر فيه اعتبار جهة أخرى فبالتبع". ثم ساق الأدلة على ذلك، ومنها أن الشرع إنما جاء بالتعبد وهو المقصود من بعثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وجود الكلام في ذلك على عادته رحمه الله ثم قال في المقدمة الثامنة: "العلم الذي هو العلم المعتبر شرعًا أعني الذي مدح الله ورسوله أهله على الإطلاق هو العلم الباعث على العمل الذي لا يخلي صاحبه جاريًا مع هواه كيفما كان، بل هو المقيد لصاحبه بمقتضاه الحامل له على قوانينه طوعًا أو كرهًا، ومعنى هذه الجملة أن أصل العلم في طلبه، وتحصيله على ثلاثة مراتب:
المرتبة الأولى: الطالبون له ولما يحصلوا على كماله بعد، وإنما هم في طلبه في رتبه التقليد فهؤلاء إذا دخلوا في العمل به فبمقتضى الحمل التكليفي، والحث الترغيبي والترهيبي، وعلى مقدار شدة التصديق يخف ثقل التكليف، فلا يكتفي العلم ها هنا بالحمل دون أمر آخر خارج مقوله من زجر أو قصاص أو حد أو تعزير أو ما جرى هذا المجرى، ولا احتياج ها هنا إلى إقامة برهان على ذلك إذ التجربة الجارية في الخلق قد أعطت هذه المرتبة برهانًا لا يحتمل النقيض بوجه.
والمرتبة الثانية: الواقفون منه على براهينه ارتفاعًا عن حضيض التقليد المجرد، واستبصارًا فيه، حسبما أعطاه شاهد النقل الذي يصدقه العقل تصديقا يطمئن إليه ويعتمد عليه إلا أنه بعد منسوب إلى العقل لا إلى النفس بمعنى أنه لم يصر كالوصف الثابت للإنسان