فما الذي يستبعد من ذلك؟ وأما ما دون ذلك من الناس، فمذهبه فيما يرد عليه كثيرًا ما أخذه عن أصحابه وآبائه وأهل بلده من المذاهب المتبعة، وفي الوقائع النادرة فتاوى مفتيه، وفي القضايا ما يحكم القاضي، وعلى هذا وجدنا محققي العلماء من كل مذهب قديمًا وحديثًا، وهو الذي أوصى به أئمة المذاهب أصحابهم".

ثم قال الدهلوي رحمه الله: "قال ابن الصلاح من وجد من الشافعية حديثًا يخالف مذهبه نظر: إن كملت له آله الاجتهاد مطلقًا، أو في ذلك الباب أو المسألة كان له الاستقلال بالعمل به، وإن لم يكمل له آلة الاجتهاد وشق مخالفة الحديث بعد أن يبحث فلم يجد للمخالف جوابًا شافيًا عنه فله العمل به، إن كان عمل به إمام مستقل غير الشافعي، ويكون هذا عذرًا له في ترك مذهب إمامه ها هنا وحسنة النووي.

"ومنها: أن أكثر صور الاختلاف بين الفقهاء لا سيما في المسائل التي ظهر فيها أقوال الصحابة في الجانبين كتكبيرات التشريق وتكبيرات العيدين، ونكاح المحرم وتشهد ابن عباس وابن مسعود، والإخفاء بالبسملة وبآمين والإسفاع، والإيثار في الإقامة، ونحو ذلك إنما هو في ترجيح أحد القولين، وكان السلف لا يختلفون في أصل المشروعية، وإنما كان خلافهم في أولى الأمرين ونظيره اختلاف القراء في وجوه القراءة، وقد عللوا كثيرًا من هذا الباب بأن الصحابة مختلفون، وأنهم جميعًا على الهدى ولذلك لم يزل العلماء يجوزون فتاوى المفتين في المسائل الاجتهادية، ويسلمون قضاء القضاة ويعملون في بعض الأحيان بخلاف مذهبهم، ولا ترى أئمة المذاهب في هذه المواضع إلا وهم يضجعون القول ويبينون الخلاف يقول أحدهم: هذا أحوط وهذا هو المختار وهذا أحب إلي ويقول: ما بلغنا إلا ذلك، وهذا كثير في المبسوط وآثار محمد رحمه الله وكلام الشافعي رحمه الله ثم خلف من بعدهم خلف اختصروا كلام القوم فقووا الخلاف، وثبتوا على مختار أئمتهم، والذي يروى من السلف من تأكيد الأخذ بمذهب أصحابهم، وأن لا يخرج منها بحال فإن ذلك إما لأمر جبلي، فإن كل إنسان يحب ما هو مختار أصحابه وقومه حتى في الزي والمطاعم، أو لصوله ناشئة من ملاحظة الدليل، أو لنحو ذلك من الأسباب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015