غالبًا، وكان أغلب قضاياه بالكوفة ولم يحملها عنه الناس وكان ابن مسعود -رضي الله عنه- بالكوفة، فلم يحمل عنه غالبًا إلا أهل تلك الناحية، وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- اجتهد بعد عصر الأولين، فناقضهم في كثير من الأحكام واتبعه في ذلك أصحابه من أهل مكة، ولم يأخذ بما تفرد به جمهورًا أهل الإسلام. وأما غير هؤلاء الأربعة فلم يكن لهم قول عند تعارض الأخبار، وتقابل الدلائل إلا قليلًا، كابن عمر وعائشة وزيد بن ثابت -رضي الله عنهم- وأكابر هذا الوجه من التابعين بالمدينة الفقهاء السبعة، لا سيما ابن المسيب بالمدينة، وبمكة عطاء بن بأبي رباح، وبالكوفة إبراهيم وشريح والشعبي، وبالبصرة الحسن، وفي كل من الطريقتين خلل، إنما ينجبر بالأخرى، ولا غنى لإحداهما عن صاحبتهما أما الأولى فمن خللها ما يدخل الرواية بالمعنى، من التبديل ولا يؤمن من تغيير المغنى وونه ما كان الأمر في واقعة خاصة، فظن الرواي وجوبًا أو حرمة، وليس الأمر على ذلك، فمن كان فقيهًا وحضر الواقعة، استنبط من القرا حقيقة الحال كقول زيد -رضي الله عنه- في النهي عن المزارعة، وعن بيع الثماء قبل أن يبدو صلاحها إن ذلك كان كالمشهورة، وأما الثانية فيدخل فيها قياسات الصحابة والتابعين، واستنباطهم من الكتاب والسنة، وليس الاجتهاد مصيبًا في جميع الأحوال، وربما كان لم يبلغ أحدهم الحديث، أو بلغه بوجه لا ينتهض بمثلة الحجة، فلم يعمل به، ثم ظهر جلية الحال على لسان صحابي آخر بعد ذلك كقول عمر وابن مسعود -رضي الله عنهما- في التيمم عن الجنابة. وكثيرًا ما كان اتفاق رءوس الصحابة -رضي الله عنهم- على شيء من قبل دلالة العقل على ارتفاق وهو قوله -صلى الله عليه وسلم1: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي" وليس من أصول الشرع، فمن كان متبحرًا في الأخبار وألفاظ الحديث يتيسر له التقصي عن مزال الأقدام، ولما كان الأمر كذلك وجب على الخائض في الفقه أن يكون متضلعًا من كلا المشربين، ومتبحرًا في كلا المذهبين، وكان أحسن شعائر الملة ما أجمع عليه جمهور الرواة وحملة العلم، وتطابق فيه الطريقتان جميعًا. ا. هـ.