وثانيهما: ما ليس من باب تبليغ الرسالة، وفيه قوله -صلى الله عليه وسلم1: "إنما أنا بشر، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أن بشر" وقوله -صلى الله عليه وسلم- في قصة تأبير النخل1: "فإني إنما ظننت ظنًّا، ولا تُؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئًا فخذوا به، فإني لم أكذب على الله". فمنه الطب ومنه باب قوله -صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالأدهم والأقرح" ومستنده التجربة، ومنه ما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- على سبيل العادة، دون العبادة، وبحسب الاتفاق، دون القصد، ومنه ما ذكره كما كان يذكر قومه، كحديث أم زرع2، وحديث خرافة3، وهو قول زيد بن ثابت، حيث دخل عليه نفر، فقالوا: حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: كنت جاره، فكان إذا نزل عليه الوحي، بعث إليَّّ فكتبته له، فكنا إذا ذكرنا الدنيا، ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الآخرة ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الطعام ذكره معنا، وكل هذا أحدثكم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومه ما قصد به مصلحة جزئية يومئذ، وليس من الأمور اللازمة لجميع الأمة، وذلك مثل ما يأمر به الخليفة من تعبئة الجيوش، وتعيين الشعار، وهو قول عمر -رضي الله عنه: "ما لنا وللرمل، كما نتراءى به قومًا قد أهلكهم الله! " ثم خشي أن يكون له سبب آخر، وقد حمل كثير من الأحكام عليه كقوله -صلى الله عليه وسلم4: "من قتل قتيلًا فله سلبه" ومنه حكم وقضاء خاص، وإنما كان يتبع فيه البينات والأيمان، وهو قوله -صلى الله عليه وسلم- لعلي رضي الله عنه5: "الشاهد يرى ما لا يراه الغائب". ا. هـ.