قرون، وصقله العرف، وفي ذلك من تمكين الاعتقاد بصحيح البخاري والركون إليه، والحرص عليه، ما لا يخفى. ولم يكن يخطر لي أن يناقش أحد في هذا العمل، ويزيفة بمقالة رنانة تطبع وتنشر! نعم ربما يوجد من ينكر ذلك بقلبه، أو يشافه به خاصته، والله أعلم بالضمائر! ولغرابة تلك المقالة آثرت نقلها بحروفها؛ ليحيط الواقف علما بما وصلت إليه حرية الأفكار. وتلك المقالة قدمها أحد الفضلاء الأزهريين في جمادى الآخر سنة "1320" لإحدي المجلات العلمية في مصر فنشرتها عنه، وهاكها بحروفها تحت عنوان:
بماذا دفع العلماء نازلة الوباء؟
دفعوها يوم الأحد الماضي في الجامع الأزهر، بقراءة متن البخاري موزعًا كراريس على العلماء، وكبار المرشحين للتدريس، في نحو ساعة، جريًا على عادتهم من إعداد هذا المتن أو السلاح الجبري؛ لكشف الخطوب، وتفريج الكروب فهو يقوم عندهم في الحرب مقام المدفع والصرام والأسل، وفي الحريق مقام المضخة والماء، وفي الهيضة مقام الحيطة الصحيحة وعقاقير الأطباء، وفي البيوت مقام الخفراء والشرطة وعلى كل حال هو مستنزل الرحمات، ومستقر البركات ولما كان العلماء أهل الذكر والله يقول: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُون} 1، فقد جئت أسألهم بلسان كثير من المسترشدين عن مأخذ هذا الدواء من كتاب الله، أو صحيح سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو رأي مستدل عليه لأحد المجتهدين الذين يقلدونهم، إن كانوا قد أتوا هذا العمل على أنه ديني، داخل في دائرة المأمور به. وإلا فعن أي حذاق الأطباء تلقوه ليتبين للناس منه أو من مؤلفاته عمل تلاوه متن البخاري في درء الهيضة عن الأمة، وأن هذا داخل في نواميس الفطرة أو خارج عنها خارق لها، وإذا كان هذا السر العجيب جاء من جهة أن المقروء حديث نبوي، فلم خص بهذه المزية مؤلف البخاري، ولِمَ لَمْ يجز في هذا موطأ مالك، وهو أعلى كعبًا وأعرق نسبًا وأغزر علمًا، ولا يزال مذهبه حيًّا مشهورًا، وإذا جروا على أن الأمر من وراء الأسباب فلم لا يقرؤه العلماء لدفع ألم الجوع كما يقرءونه لإزالة المغص أو