وأما قائل الثاني "أي غير الشعر" فهو إما ربنا تبارك وتعالى، فكلامه عز اسمه أفصح كلام وأبلغه، وإما أحد الطبقات الثلاث الأولى من طبقات الشعر التي قدمناها.
وأما الاستدلال بحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد جوزه ابن مالك ومنعه ابن الضائع وأبو حيان وسندهما أمران: أحدهما: أن الأحاديث لم تنقل كما سمعت من النبي -صلى الله عليه وسلم- وإنما رويت بالمعنى. وثانيهما: أن أئمة النحو المتقدمين من المصرين لم يحتجوا بشيء منه، ورد الأول على تقدير تسليمه بأن النقل بالمعنى إنما كان في الصدر الأول قبل تدوينه في الكتب، وقبل فساد اللغة، وغايته تبديل لف بلفظ يصح الاحتجاج به، ورد الثاني: بأنه لا يلزم من عدم استدلالهم بالحديث عدم صحة الاستدلال به.
"والصواب جواز الاحتجاج بالحديث للنحوي في ضبط ألفاظه، ويلحق به ما رُوي عن الصحابة وأهل البيت".
وقال السيوطي في "الاقتراح": "وأما كلامه -صلى الله عليه وسلم- فيستدل منه بما ثبت أنه قاله على اللفظ المروي، وذلك نادر جدًّا، إنما يوجد في الأحاديث القصار، على قلة أيضًا، فإن غالب الأحاديث مروي بالمعنى، وقد تداولتها الأعاجم والمولوون قبل تدوينها، وفرووها بما أدت إليه عباراتهم، فزادوا ونقصوا، وقدموا وأخروا، وبدلوا ألفاظًا بألفاظ، ولهذا ترى الحديث الواحد في القصة الواحدة مرويًّا على أوجه شتى بعبارات مختلفة".
وقال أبو حيان في شرح التسهيل: "قد أكثر المصنف من الاستدلال بما وقع في الأحاديث على إثبات القواعد الكلية في لسان العرب، وما رأيت أحدًا من المتقدمين والمتأخرين سلك هذه الطريقة وقد جرى الكلام في ذلك مع بعض المتأخرين الأذكياء فقال: إنما ذكر العلماء ذلك لعدم وثوقهم أن ذلك لفظ الرسول -صلى الله عليه وسلم- وإنما كان كذلك لأمرين أحدهما أن الرواة جوزوا النقل بالمعنى، وقد قال سفيان الثوري: إن قلت لكم إني أحدثكم كأسمعت فلا تصدقوني إنما هو المعنى والأمر الثاني أنه وقع اللحن كثيرًا فيما رُوي من الحديث لأن كثيرًا من الرواة كانوا غير عرب بالطبع ويتعلمون لسان العرب