هكذا لكتبها أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهل جاءنا عن أحد منهم أنه فعل ذلك؟ وجاء عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما، أنه استأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صحيفة فأذن له، وأما سائر الأخبار فإنهم تلقوها منه حفظًا وأدوها حفظًا فكانوا يقدمون ويؤخرون، وتختلف ألفاظ الرواية فيما لا يتغير معناه فلا ينكر ذلك منهم، ولا يرون بذلك بأسًا.
ثم أسند الترمذي قدس سره عن أبي هريرة وعبد الله بن أكيمة مرفوعًا جواز ذلك إذا لم يحرم حلال ولم يحل حرام وأصيب المعنى كما تقدم قيل ثم قال الترمذي: "فمن أراد أن يؤدي إلى من بعده حديثًا قد سمعه جاز له، أن يغير لفظه ما لم يتغير المعنى". ا. هـ.
وقال الإمام ابن فارس في جزئه في المصطلح في الكلام على من كان من الرواة يتورع في أداء اللفظ الملحون ويكتب عليه "كذا" ما مثاله: "هذا التثبت حسن لكن أهل العلم قد يتساهلون إذا أدوا المعنى، ويقولون: لو كان أداء اللفظ واجبا حتى لا يغفل منه حرف لأمرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإثبات ما يسمعون منه كما أمرهم بإثبات الوحي الذي لا يجوز تغيير معناه ولا لفظه فلما لم يأمرهم بإثبات ذلك دل على أن الأمر في التحديث أسهل وإن كان أداء ذلك اللفظ الذي سمعه أحسن". ا. هـ.
وقال الحافظ ابن حجر في شرح النخبة: "وأما الرواية بالمعنى فالخلاف فيها شهير، والأكثر على الجواز أيضًا ومن أقوى حججهم الإجماع على شرح الشريعة للعجم بلسانهم للعارف به. فإذا جاز الإبدال بلغة أخرى فجوازه باللغة العربية أولى، وقيل: إنما يجوز في المفردات دون المركبات، وقيل: إنما يجوز لمن يستحضر اللفظ ليتمكن من التصرف فيه، وقيل: إنما يجوز لمن كان يحفظ الحديث فنسي لفظه، وبقي معناه مرتسمًا في ذهنه فله أن يرويه بالمعنى لمصلحة تحصيل الحكم منه بخلاف من كان مستحضرًا للفظه وجميع ما تقدم يتعلق بالجواز وعدمه، ولا شك أن الأولى إيراد الحديث بألفاظه دون التصرف فيه قال القاضي عياض: "ينبغي سد باب الرواية بالمعني لئلا يتسلط من لا يحسن ممن يظن أنه يحسن كما وقع لكثير من الرواة قديمًا وحديثًا والله الموفق".