وأن العاقل لا ينتصر لرأيه الذاتي، ولا يصر عليه، فربما كان صوابًا أو خطأ.
وأن عثمان كان محقًّا في نفي أبي ذر الغفاري لأن الحث على الزهد في الدنيا، والقناعة باليسير والكف من الرزق، وإماتة المطالب النفسية، والتباعد عن الزينة والمفاخرة.. كل هذه الأصول فقرات مخدرات لا يرتضيها عقل، ولم يأت بها شرع.
وأن حال الأمة لا يستقيم ولا يثبت على أساس مكين ما لم يتفق الكبراء بعضهم مع بعض، ويتصافوا مع الذين دونهم، ويفصلوا كل خلاف وخصومة بالتحكيم.
وأن الجبان يموت مرارًا قبل وفاته، والشجاع لا يذوق مرارة الموت إلا مرة واحدة.
وبعد فهذا قليل من كثير مما ترك القاسمي. عرضنا منه عناوين، وتركنا التفصيل إلى كتابنا الذي نعده عنه.
9- أسلوبه ومؤلفاته:
كان الكتاب في العصر الذي عاش فيه القاسمي يعتبرون السجع المثل الأعلى في الإنشاء.
وكانت "مقامات الحريري" القدوة التي يحتذيها الكتاب فيما يكتبون. ولقد درجوا على تحفيظها للطلاب، لتنمية الملكة الأدبية، وللنسج على منوالها.
ولقد كان والده أديبًا، إلى جانب تعمقه بالفقه فنشأه نشأة أدبية، على الطريقة المألوفة في عصره، فلما أخذ في الكتابة والتأليف جرى على الأسلوب الذي لقن إليه. فالتزم السجع في أكثر ما كتب في مطلع حياته، ثم استمر على التزامه في أكثر مقدمات كتبه حتى آخر حياته، وفي بعض رسائله الخاصة. على أن سجعه في أوائل أيامه أقرب إلى سجع المبتدئين، وكان في أواخرها أقرب إلى سجع أئمة الكتاب المتقدمين1.
ثم شاعت طرقة الترسل، وكان الأستاذ الإمام محمد عبده، من الذين استعملوها، ودعوا إلى نشرها. وكان القاسمي معجبًا بالأستاذ الإمام، فعدل عن السجع إلى الترسل، وفي أكثر ما كتب بعد تعرفه عليه عام 1321 - 1904، فجاء أسلوبه فيه عربيًّا صافيًا، رائعًا