مراد الطيبي بقوله: "إلا بما يصح" الصحة اللغوية التي بمعنى الثبوت لا الاصطلاحية، وإلا لأوهم حرمة التحديث بالحسن أيضا، ولا يحسن ذلك ولا يظن به هذا إذ من المعلوم أن أكثر الأحاديث الدالة على الفروع حسان، ومن المقرر أن الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال فيتعين حمل كلامه على ما ذكرناه، وكلامه أيضًا مشعر بذلك إذ لم يقل: "بنقل الإسناد الصحيح" ولكنه موهم أنه لا بد من ذكر الإسناد وليس كذلك لأن المراد أنه لا يحدث عنه إلا بما ثبت عنه، وذلك الثبوت إنما يكون بنقل الإسناد وفائدته أنه لو روى عنه ما يكون معناه صحيحا، لكن ليس له إسناد فلا يجوز أن يحدث به عنه واللام في الإسناد للعهد أي الإسناد المعتبر عند المحدثين، وإلا فقد يكون للحديث الموضوع إسناد أيضًا قال عبد الله بن المبارك: "الإسناد من الدين ولو الإسناد لقال من شاء ما شاء" قال ابن حجر: "ولكون الإسناد يعلم به بالموضوع من غيره كانت معرفته من فروض الكفاية قيل: "بلغوا عني" يحتمل وجهين: أحدهما اتصال السند بنقل الثقة عن مثله إلى منتهاه لأن التبليغ من البلوغ وهو إنهاء الشيء إلى غايته، والثاني: أداء اللفظ كما سمع من غير تغيير، والمطلوب في الحديث كلا الوجهين". "كذا في مرقاة المفاتيح".

تنبيه: قال الحافظ ابن حجر رحمه الله، في الفتح في شرح حديث البخاري عن علي -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تكذبوا عليَّ فإنه من كذب عليَّ فليلج النار" معناه: لا تنسبوا الكذب إلي، ولا مفهوم لقوله: "عليَّ" لأنه لا يتصور أن يكذب له لنهيه عن مطلق الكذب. وقد اعتز قوم من الجهلة فوضعوا أحاديث في الترغيب والترهيب وقالوا: "نحن لم نكذب عليه، بل فعلنا ذلك لتأييد شريعته" وما دروا أن تقويله -صلى الله عليه وسلم- ما لم يقل يقتضي الكذب على الله تعالى؛ لأنه إثبات حكم من الأحكام الشرعية، سواء كان في الإيجاب أو الندب، وكذا مقابلهما وهو الحرام والمكروه. ولا يعتد بمن خالف ذلك من الكرامية، حيث جوزوا وضع الكذب في الترغيب والترهيب، في تثبيت ما ورد في القرآن والسنة واحتج بأنه كذب له لا عليه، وهو جهل باللغة العربية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015