وَالشَّرِيعَةُ كُلُّهَا مَصَالِحُ إمَّا تَدْرَأُ مَفَاسِدَ أَوْ تَجْلِبُ مَصَالِحَ، فَإِذَا سَمِعْت اللَّهَ يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 104] ؛ فَتَأَمَّلْ وَصِيَّتَهُ بَعْدَ نِدَائِهِ، فَلَا تَجِدُ إلَّا خَيْرًا يَحُثُّك عَلَيْهِ أَوْ شَرًّا يَزْجُرُك عَنْهُ، أَوْ جَمْعًا بَيْنَ الْحَثِّ وَالزَّجْرِ، وَقَدْ أَبَانَ فِي كِتَابِهِ مَا فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ مِنْ الْمَفَاسِدِ حَثًّا عَلَى اجْتِنَابِ الْمَفَاسِدِ وَمَا فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ مِنْ الْمَصَالِحِ حَثًّا عَلَى إتْيَانِ الْمَصَالِحِ. فَصْلٌ فِي تَقْسِيمِ اكْتِسَابِ الْعِبَادِ
اعْلَمْ أَنَّ اكْتِسَابَ الْعِبَادِ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا مَا هُوَ سَبَبٌ لِلْمَصَالِحِ وَهُوَ أَنْوَاعٌ:
أَحَدُهَا: مَا هُوَ سَبَبٌ لِمَصَالِحَ دُنْيَوِيَّةٍ.
وَالثَّانِي: مَا هُوَ سَبَبٌ لِمَصَالِحَ أُخْرَوِيَّةٍ.
الثَّالِثُ مَا هُوَ سَبَبٌ لِمَصَالِحَ دُنْيَوِيَّةٍ وَأُخْرَوِيَّةٍ، وَكُلُّ هَذِهِ الِاكْتِسَابَاتِ مَأْمُورٌ بِهَا، وَيَتَأَكَّدُ الْأَمْر بِهَا عَلَى قَدْرِ مَرَاتِبِهَا فِي الْحُسْنِ وَالرَّشَادِ، وَمِنْ هَذِهِ الِاكْتِسَابَاتِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ الثَّوَابِ كَالْمَعْرِفَةِ وَالْإِيمَانِ، وَقَدْ يَكُونُ الثَّوَابُ خَيْرًا مِنْ الِاكْتِسَابِ كَالنَّظَرِ إلَى وَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ وَرِضَاهُ الَّذِي هُوَ أَعْلَى مِنْ كُلِّ نَعِيمٍ سِوَى النَّظَرِ إلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ.
الضَّرْبُ الثَّانِي: مِنْ الِاكْتِسَابِ مَا هُوَ سَبَبٌ لِلْمَفَاسِدِ وَهُوَ أَنْوَاعٌ: أَحَدُهُمَا: مَا هُوَ سَبَبٌ لِمَفَاسِدَ دُنْيَوِيَّةٍ، الثَّانِي مَا هُوَ سَبَبٌ لِمَفَاسِدَ أُخْرَوِيَّةٍ، الثَّالِثُ: مَا هُوَ سَبَبٌ لِمَفَاسِدَ دُنْيَوِيَّةٍ وَأُخْرَوِيَّةٍ، وَكُلُّ هَذِهِ الِاكْتِسَابَاتِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا، وَيَتَأَكَّدُ النَّهْيُ عَنْهَا عَلَى قَدْرِ مَرَاتِبِهَا فِي الْقُبْحِ وَالْفَسَادِ.
الْمَصَالِحُ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: اللَّذَّاتُ وَأَسْبَابُهَا، وَالْأَفْرَاحُ وَأَسْبَابُهَا. وَالْمَفَاسِدُ