وَأَمَّا أَخْذُهُمْ الزَّكَاةَ، فَإِنْ صَرَفُوهَا فِي مَصَارِفِهَا أَجْزَأَتْ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَإِنْ صَرَفُوهَا فِي غَيْرِ مَصَارِفِهَا لَمْ يَبْرَأْ الْأَغْنِيَاءُ مِنْهَا عَلَى الْمُخْتَارِ لِمَا فِي إجْزَائِهَا مِنْ تَضَرُّرِ الْفُقَرَاءِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَصَالِحِ الَّتِي لَا مُعَارِضَ لَهَا، فَإِنَّهَا إنَّمَا نُفِّذَتْ لِتَمَحُّصِهَا. وَأَمَّا هَهُنَا فَالْقَوْلُ بِإِجْزَاءِ أَخْذِهَا نَافِعٌ لِلْأَغْنِيَاءِ مُضِرٌّ لِلْفُقَرَاءِ، وَدَفْعُ الْمَفْسَدَةِ عَنْ الْفُقَرَاءِ أَوْلَى مِنْ دَفْعِ الْمَفْسَدَةِ عَنْ الْأَغْنِيَاءِ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْت لِأَنَّ مَصَالِحَ الْفُقَرَاءِ أَوْلَى مِنْ مَصَالِحِ الْأَغْنِيَاءِ، لِأَنَّهُمْ يَتَضَرَّرُونَ بِعَدَمِ نَصِيبِهِمْ مِنْ الزَّكَاةِ مَا لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْأَغْنِيَاءُ مِنْ تَثْنِيَةِ الزَّكَاةِ، وَلِمِثْلِ هَذَا يَتَخَيَّرُ السَّاعِي فِي الْأَحَظِّ لِلْفُقَرَاءِ؛ إذَا كَانَ فِي الْمَالِ أَرْبَعُ حِقَاقٍ وَخَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَلَا تُخَيَّرُ الْوُلَاةُ فِيمَا يَصْنَعُونَ إلَّا نَادِرًا وَهُوَ إذَا تَسَاوَى تَحْصِيلُ الْمَصْلَحَتَيْنِ، أَوْ دَفْعُ الْمَفْسَدَتَيْنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ فَإِنْ كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي التَّعْزِيرِ وَجَبَ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْعَفْوِ وَالْإِغْضَاءِ وَجَبَ.

[فَصْلٌ فِي تَقَيُّدِ الْعَزْلِ بِالْأَصْلَحِ لِلْمُسْلِمِينَ فَالْأَصْلَحِ]

إذَا أَرَادَ الْإِمَامُ عَزْلَ الْحَاكِمِ فَإِنْ أَرَابَهُ مِنْهُ شَيْءٌ عَزَلَهُ لِمَا فِي إبْقَاءِ الْمُرِيبِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ إذْ لَا يَصْلُحُ فِي تَقْرِيرِ الْمُرِيبِ عَلَى وِلَايَةٍ عَامَّةٍ وَلَا خَاصَّةٍ، لِمَا يُخْشَى مِنْ خِيَانَتِهِ فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رِيبَةً فَلَهُ أَحْوَالٌ.

إحْدَاهُمَا: أَنْ يَعْزِلَهُ بِمَنْ هُوَ دُونَهُ، وَلَا يَجُوزُ عَزْلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ الْمُسْلِمِينَ الْمَصْلَحَةَ الْحَاصِلَةَ مِنْ جِهَةِ فَضْلِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ تَفْوِيتُ الْمَصَالِحِ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ.

الْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَعْزِلَهُ بِمَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ فَيُنَفَّذُ عَزْلُهُ تَقْدِيمًا لِلْأَصْلَحِ عَلَى الصَّالِحِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ لِلْمُسْلِمِينَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015