الْحَاجَةِ تَرْغِيبًا لِلْمَمْدُوحِ فِي الْإِكْثَارِ مِمَّا مَدَحَ بِهِ أَوْ تَذْكِيرًا لَهُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ لِيَشْكُرَهَا وَلِيَذْكُرَهَا بِشَرْطِ الْأَمْنِ عَلَى الْمَمْدُوحِ مِنْ الْفِتْنَةِ.

وَكَذَلِكَ الْهِجَاءُ الَّذِي تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُكْثِرَ مِنْهُ إلَّا حَيْثُ أُمِرَ بِهِ فِي الشَّهَادَاتِ وَالرِّوَايَاتِ وَالْمَشُورَاتِ، وَلَا تَكَادُ تَجِدُ مَدَّاحًا إلَّا رَذْلًا، وَلَا هَجَّاءً إلَّا نَذْلًا، إذْ الْأَغْلَبُ عَلَى الْمَدَّاحِينَ الْهَجَّائِينَ الْكَذِبُ وَالتَّغْرِيرُ، وَمَدْحُك نَفْسَك أَقْبَحُ مِنْ مَدْحِك غَيْرِك، فَإِنَّ غَلَطَ الْإِنْسَانِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ أَكْثَرُ مِنْ غَلَطِهِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، فَإِنَّ حُبَّك الشَّيْءَ يُعْمِي وَيُصِمُّ، وَلَا شَيْءَ أَحَبُّ إلَى الْإِنْسَانِ مِنْ نَفْسِهِ، وَلِذَلِكَ يَرَى عُيُوبَ غَيْرِهِ وَلَا يَرَى عُيُوبَ نَفْسِهِ، وَيَعْذُرُ بِهِ نَفْسَهُ بِمَا لَا يَعْذُرُ بِهِ غَيْرَهُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم: 32] وَقَالَ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} [النساء: 49] . مَبْحَثٌ قَدْ يَمْدَحُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ إذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ وَلَا يَمْدَحُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ إلَّا إذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ خَاطِبًا إلَى قَوْمٍ فَيُرَغِّبَهُمْ فِي نِكَاحِهِ، أَوْ فَيُعَرِّفَ أَهْلِيَّتَهُ الْوِلَايَاتِ الشَّرْعِيَّةَ وَالْمَنَاصِبَ الدِّينِيَّةَ لِيَقُومَ بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ عَيْنًا أَوْ كِفَايَةً كَقَوْلِ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 55] وَقَدْ يَمْدَحُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ لِيُقْتَدَى بِهِ فِيمَا مَدَحَ بِهِ نَفْسَهُ كَقَوْلِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا تَعَنَّيْت مُنْذُ أَسْلَمْت، وَلَا تَمَنَّيْت، وَلَا مَسِسْت ذَكَرِي بِيَمِينِي مُنْذُ بَايَعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهَذَا مُخْتَصٌّ بِالْأَقْوِيَاءِ الَّذِينَ يَأْمَنُونَ التَّسْمِيعَ وَيُقْتَدَى بِأَمْثَالِهِمْ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015