عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ: مَا نَاظَرْت أَحَدًا إلَّا قُلْت اللَّهُمَّ أَجْرِ الْحَقَّ عَلَى قَلْبِهِ وَلِسَانِهِ، فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ مَعِي اتَّبَعَنِي وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ مَعَهُ اتَّبَعْته.
(فَائِدَةٌ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَقْلِيدِ الْحَاكِمِ الْمُجْتَهِدِ لِمُجْتَهِدٍ آخَرَ فَأَجَازَهُ بَعْضُهُمْ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ أَنَّهُمْ أَصَابُوا الْحَقَّ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مُجْتَهِدٍ وَمُجْتَهِدٍ فَإِذَا جَازَ لِلْمُجْتَهِدِ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى ظَنِّهِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الشَّرْعِ فَلِمَ لَا يَجُوزُ لَهُ الِاعْتِمَادُ عَلَى ظَنِّ الْمُجْتَهِدِ الْمُعْتَمِدِ عَلَى أَدِلَّةِ الشَّرْعِ، وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْمُقَلِّدُ أَنْبَلَ وَأَفْضَلَ فِي مَعْرِفَةِ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالُوا ثِقَةٌ بِمَا يَجِدُهُ مِنْ نَفْسِهِ مِنْ الظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ وَمِنْ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ أَقْوَى مِمَّا يَسْتَفِيدُهُ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ هُوَ أَفْضَلُ الْجَمَاعَةِ، وَخَيَّرَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي تَقْلِيدِ مَنْ شَاءَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى حَقٍّ وَصَوَابٍ، وَهَذَا ظَاهِرٌ مُتَّجَهٌ إذَا قُلْنَا كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ.
ِ الشُّبُهَاتُ دَارِئَةٌ لِلْحُدُودِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ: إحْدَاهَا فِي الْفَاعِلِ وَهُوَ ظَنُّ حِلِّ الْوَطْءِ إذَا وَطِئَ امْرَأَةً يَظُنُّهَا زَوْجَتَهُ أَوْ مَمْلُوكَتَهُ
الثَّانِيَةُ: شُبْهَةٌ فِي الْمَوْطُوءَةِ كَوَطْءِ الشُّرَكَاءِ الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَكَةَ، الثَّالِثَةُ: فِي السَّبَبِ الْمُبِيحِ لِلْوَطْءِ كَالنِّكَاحِ الْمُخْتَلَفِ فِي صِحَّتِهِ.
فَأَمَّا الشُّبْهَةُ الْأُولَى فَدَرَأَتْ عَنْ الْوَاطِئِ الْحَدَّ لِأَنَّهُ غَيْرُ آثِمٍ، وَالنَّسَبُ لَاحِقٌ بِهِ، وَالْعِدَّةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمَوْطُوءَةِ، وَالْمَهْرُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا الشُّبْهَةُ الثَّانِيَةُ فَدَرَأَتْ الْحَدَّ لِأَنَّ مَا فِيهَا مِنْ مِلْكِهِ يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ، وَمَا فِيهَا مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، فَلَا تَكُونُ الْمَفْسَدَةُ فِيهِ كَمَفْسَدَةِ الزِّنَا الْمَحْضِ، بَلْ لَوْ أَكَلَ الْإِنْسَانُ رَغِيفًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لَمْ يَأْثَمْ بِأَكْلِ نَصِيبِهِ مِثْلَ إثْمِهِ