بَعْضُ التَّصَرُّفَاتِ بِشَيْءٍ مِنْ الشُّرُوطِ أَوْ الْأَرْكَانِ اخْتَصَّ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ بِهِمَا.
وَقَدْ يُشْتَرَطُ فِي أَحَدِ التَّصَرُّفَيْنِ مَا يَكُونُ مُفْسِدًا فِي التَّصَرُّفِ الْآخَرِ لِتَقَارُبِهِمَا فِي جَلْبِ مَصَالِحِهِمَا وَدَرْءِ مَفَاسِدِهِمَا: فَالْإِيمَانُ شَرْطٌ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ، وَالطَّهَارَةُ شَرْطٌ فِي كُلِّ صَلَاةٍ وَطَوَافٍ، وَكَذَلِكَ السُّتْرَةُ وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي حَجٍّ وَلَا صَوْمٍ وَلَا زَكَاةٍ وَلَا قِرَاءَةٍ وَلَا ذِكْرِ اللَّهِ وَلَا تَعْرِيفٍ وَلَا سَعْيٍ وَلَا اعْتِكَافٍ وَلَا رَمْيٍ، وَكَذَلِكَ يُشْتَرَطُ فِي بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ: كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ الْوُجُودُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ وَانْتِفَاءُ الْأَغْرَارِ السَّهْلَةِ الِاجْتِنَابِ، وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي قِرَاضٍ وَلَا بَيْعٍ وَلَا مُسَاقَاةٍ وَلَا مُزَارَعَةٍ وَلَا جَعَالَةٍ وَلَا إجَارَةٍ وَلَا إرْضَاعٍ وَلَا فِي مِيَاهِ الْعُيُونِ وَالْآبَارِ وَالْجَدَاوِلِ وَالْأَنْهَارِ التَّابِعَةِ لِلْإِجَارَةِ عَلَى الْمُزَارَعَةِ وَغَرْسِ الْأَشْجَارِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَوْ شُرِطَ لَفَاتَتْ مَصَالِحُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ وَمَقَاصِدُهَا وَلَا يُخْشَى مَا فِي فَوَاتِ هَذِهِ الْمَصَالِحِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ وَالْإِضْرَارِ، وَلَا سِيَّمَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالرَّضَاعِ وَمِيَاهِ الْآبَارِ وَالْأَنْهَارِ.
وَيُشْتَرَطُ فِي الْوَكَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مَالِكًا لِلتَّصَرُّفِ الَّذِي يُوَكِّلُ فِيهِ إذْ لَا يَمْلِكُ الْفَرْعَ مَا لَمْ يَمْلِكْهُ الْأَصْلُ وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ إذْنُ الْمَرْأَةِ فِي النِّكَاحِ وَإِذْنُ الْأَعْمَى فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَإِذْنُ الْمُضَارِبِ لِلْعَامِلِ فِي التَّصَرُّفِ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ الَّتِي لَا يَمْلِكُهَا الْمَالِكُ وَلَا الْعَامِلُ لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَوْ مُنِعَ لَفَاتَتْ مَصَالِحُ التَّزْوِيجِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي حَقِّ الْعُمْيَانِ، وَكَذَلِكَ أَرْبَاحُ الْقِرَاضِ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَصَالِحَ الَّتِي خُولِفَتْ الْقَوَاعِدُ لِأَجَلِهَا: مِنْهَا مَا هُوَ ضَرُورِيٌّ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَمِنْهَا مَا تَمَسُّ إلَيْهِ الْحَاجَةُ الْمُتَأَكِّدَةُ.